مقيدا .. جهز المأمون من خراسان طاهر بن الحسين المذكور لمحاربة ابن ماهان المذكور، فالتقيا، وكسر ابن ماهان المذكور، ثم جهز الأمين جيشا آخر، فكسرهم طاهر أيضا، ثم تقدم إلى بغداد، وحاصر الأمين بها سنة إلى أن ظفر به وقتله، وأرسل برأسه إلى المأمون، فكان من أكبر أعوان المأمون، وكان المأمون يرعى خدمته ومناصحته، وكان أديبا شجاعا جوادا ممدحا.
ركب مرة ببغداد في حراقة، فاعترضه مقدس بن صيفي الشاعر وقال: أيها الأمير؛ أرأيت أن تسمع مني أبياتا، فقال: قل، فأنشد: [من المتقارب]
عجبت لحرّاقة ابن الحسين ... لا غرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد ... وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك أعوادها ... وقد مسّها كيف لا تورق
فأعطاه طاهر على هذه الثلاثة الأبيات ثلاثة آلاف درهم وقال له: زدنا حتى نزيدك، فقال: حسبي.
وتواعد طاهر المذكور بالقتل الكاتب خالد بن جيلويه-بجيم ومثناتين آخر الحروف، كحمدويه-فبذل له خالد من المال شيئا كثيرا، فلم يقبله، فقال خالد: قد قلت شيئا فاسمعه، ثم شأنك وما أردت، فقال طاهر-وكان يعجبه الشعر-: قل، فقال: [من الكامل]
زعموا بأن الصقر صادف مرة ... عصفور برّ ساقه المقدور
فتكلم العصفور فوق جناحه ... والصقر منقضّ عليه يطير
ما كنت يا هذا لمثلك لقمة ... ولئن شويت فإنني لحقير
فتهاون الصقر المدلّ بنفسه ... كرما فأفلت ذلك العصفور
فقال طاهر: أحسنت، وعفا عنه، وهذه الأبيات قد تقدمت في ترجمة هشام بن عبد الملك لبعض أولاد الأعراب (١).
يروى أن إسماعيل بن جرير كان مداحا لطاهر بن الحسين المذكور، فقيل له: إنه يسرق الشعر يمدحك به، فألزمه أن يذمه بأبيات، فاستعفاه فلم يعفه، فقال: [من الوافر]
رأيتك لا ترى إلا بعين ... وعينك لا ترى إلا قليلا
(١) انظر (٢/ ٧٩).