منه حاسدوه من الدّرسة، فوشوا به إلى الشيخ، فوقع في نفس الشيخ، وعزم على امتحان الفقيه بحضرة الناس، فأمر الشيخ بإحضاره عند صلاة الجمعة على رءوس الأشهاد، فكان يسأله عن مسائل مشكلات، فيجيبه الفقيه عن كل مسألة بفرع من «الروضة» حتى جاء على أربعين مسألة، فأذن المؤذن للعصر، فترك سؤاله.
وبلغني أن الفقيه علي بن محمد المذكور كان يقول: لو زاد سألني .. لم يحضرني جواب، فعد ذلك من جملة كراماته رحمه الله ونفع به.
ثم إنه خرج إلى بلده حبان، فأقام بها أياما ولم ينتظم له بها أمر المعاش، فأنشأ برحبة محصن، قرية غلب عليها اليوم اسم الحوطة بأسفل وادي عمقين، وعمر حواليها مواتا، وفطر به أبيارا، وأقام هنالك على أحسن سيرة، وأطهر سريرة؛ يكرم الضيف، ويؤمن الخائف، وينشر العلم، وظهر له من الكرامات ما يجل عن الحصر، ومنها: أنه كان يرى جبريل وميكائيل.
ومنها: أنه إذا أشرف في البئر يكلمه ويقول له: إنك ستملكني .. فيكون كذلك.
ومنها: إخباره عن المغيبات، إلى غير ذلك مما لا يحتمل الموضع بسطه.
وله قصيدة مطولة مباركة، مشهورة الفضل، يتوسل فيها بالكتب المنزلة، والملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، والأولياء والصالحين، أولها:[من الطويل]
لمن خاطر بالهمّ والغم يشحر ... وجسم به النيران تلظى وتسعر
وجسم نحيل من مآثر ما به ... وعقل عقيل الرأي في الأمر مفكر
وجربت لنجاح المطالب، وقضاء المآرب.
ولم يزل رحمه الله على الحال المرضي إلى أن توفي في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثمان مائة.
وله ذرية صالحة، وفيهم كثرة، ومنهم الفقهاء والصالحون، يطعمون الطعام، ويؤثرون المقام، لا يكاد يسافر منهم أحد إلا النزر اليسير، مدة الزمن القصير.
وأما أخوه الفقيه العالم الرباني إسماعيل بن محمد .. فستأتي ترجمته قريبا إن شاء الله تعالى في سنة أربع وثلاثين (١).