ولما توجه المأمون إلى مصر في سنة خمس عشرة ومائتين .. كان معه القاضي يحيى، فولاه قضاء مصر، فحكم بها ثلاثة أيام، ثم خرج مع المأمون.
وروي عن يحيى بن أكثم أنه قال: اختصم إلي في الرصافة الجد الخامس بطلب ميراث ابن ابن ابن ابنه.
قال الشيخ اليافعي:(ومثل ذلك وجد عندنا في بلد يافع من اليمن حتى كان يقول الابن السافل: يا جد؛ أجب جدك)(١).
وكان بعض الشعراء يتردد إلى يحيى ويغشى مجلسه، وكان بعض الأحيان لا يقدر على الوصول إليه إلا بعد مشقة ومذلة يقاسيها، وانقطع عنه، فعاتبته زوجته في ذلك مرارا فأنشدها:[من الطويل]
تكلفني إذلال نفسي لعزها ... وهان عليها أن أهان لتكرما
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه رب يحيى بن أكثما
وقد قدمنا أن المعتصم عزل القاضي يحيى، وجعل مكانه القاضي أحمد بن أبي دؤاد، فلما فلج أحمد .. ولي ابنه محمد القضاء.
ثم إن المتوكل بن المعتصم غضب على ابن أبي دؤاد فصادره، وصادر ولده محمدا وعزله عن القضاء، وأعاد القاضي يحيى بن أكثم، وخلع عليه خمس خلع، ثم عزله وولى في رتبته جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، فجاء كاتبه إلى القاضي يحيى فقال: سلّم الديوان، فقال: شاهدان عدلان على أمير المؤمنين أنه أمرني بذلك، فأخذ الديوان منه قهرا، وغضب عليه المتوكل فأمر بقبض أملاكه، ولزم بيته، ثم حج وعزم على المجاورة بمكة، فلما اتصل به رجوع المتوكل له .. رجع يريد العراق، فلما وصل إلى الربذة .. توفي بها يوم الجمعة منتصف ذي الحجة من سنة اثنتين-أو ثلاث-وأربعين ومائتين.
وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري في «رسالته»: (أن أبا عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد كان صديقا للقاضي يحيى بن أكثم، قال: فرأيته في النوم بعد موته فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال: يا يحيى؛ خلطت عليّ في دار الدنيا. فقلت: يا رب؛ اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش،