للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وألقى نفسه في الماء في إثرها، فأدار الملاح الحراقة؛ فإذا هما معتنقين، ثم غاصا فلم يريا فاستعظم محمد ذلك وهاله ثم قال: يا عمرو؛ لتحدثني ما يسلّيني وإلا .. ألحقتك بهما، قال: فحضرني حديث يزيد بن عبد الملك وقد قعد للمظالم وعرضت عليه القصص، فمرت به قصة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يخرج إلي جاريته حتى تغنيني ثلاثة أصوات .. فعل، فاغتاظ يزيد من ذلك، وأمر من يخرج إليه ويأتيه برأسه، ثم أتبع الرسول رسولا آخر، فأمره أن يدخل إليه الرجل فأدخله، فقال: ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: الثقة بحلمك، والاتكال على عفوك، فأمره بالجلوس حتى لم يبق أحد من بني أمية إلا خرج، ثم أمر بالجارية فأخرجت ومعها عودها، فقال لها الفتى: غني: [من الطويل]

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

فغنته، فقال له يزيد: قل، قال: غني: [من البسيط]

تألق البرق نجديا فقلت له ... يا أيها البرق إني عنك مشغول

فغنته، فقال له يزيد: قل، قال: تأمر لي برطل شراب، فأمر له به فما استتم شرابه حتى وثب وصعد على أعلى قبة ليزيد، فرمى نفسه على دماغه فمات، فقال يزيد: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتراه الأحمق الجاهل ظن أني أخرج إليه جاريتي وأردها إلى ملكي، يا غلمان؛ خذوا بيدها واحملوها إلى أهله إن كان له أهل، وإلا .. فبيعوها وتصدقوا بثمنها عنه.

فانطلقوا بها إلى أهله، فلما توسطت الدار .. نظرت إلى حفيرة في وسط دار يزيد قد أعدت للمطر، فجذبت نفسها من أيديهم وأنشدت: [من السريع]

من مات عشقا فليمت هكذا ... لا خير في عشق بلا موت

فألقت نفسها في الحفيرة على دماغها فماتت.

فسري عن محمد، وأجزل صلتي.

وكان الجاحظ في آخر عمره قد فلج، فكان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور؛ لشدة حرارته، والنصف الآخر لو قرض بالمقاريض .. لما أحس به من خدره وشدة برده، وكان يقول في مرضه: اصطلحت على جسدي الأضداد، إن أكلت باردا .. أخذ برجلي، وإن أكلت حارا .. أخذ برأسي، أنا في جانبي الأيسر مفلوج، لو قرض بالمقاريض ..

<<  <  ج: ص:  >  >>