للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» (١)، فأول من هاجر إلى المدينة بعد العقبة: أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم عامر بن ربيعة، ثم عبد الله بن جحش، ثم تتابعوا أرسالا، فلقوا من الأنصار دارا، وجوارا آثروهم على أنفسهم في أقواتهم، وقاسموهم أموالهم.

وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينتظر الإذن في الهجرة، ولم يتخلف معه أحد إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق رضي الله عنهما؛ فإنهما حبسا أنفسهما على صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم (٢).

ولما رأت قريش ما لقي أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم من حسن الجوار وطيب الحال .. خافوا خروج النبي صلّى الله عليه وسلم، فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في أمره، فتصور لهم إبليس في صورة شيخ نجدي مشاركا لهم في الرأي، فتحدثوا أن يربطوه في الحديد، ويغلقوا دونه الأبواب حتى يموت، أو أن يخرجوه من بين أظهرهم فيستريحوا منه، وأشار أبو جهل أن يجمعوا من كل قبيلة رجلا، فيقتلونه دفعة واحدة، فيفترق دمه في القبائل حتى يعجز قومه عن طلب الثأر، فحسّن الشيخ النجدي رأيه، وتفرقوا على ذلك (٣).

ولما قصدوه لذلك .. أخبره جبريل بقصدهم، فأمر صلّى الله عليه وسلم عليا أن ينام على فراشه يتسجّى ببرده، وأخبره أنه لن يخلص إليه شيء يكرهه، فلما قعدوا على بابه لذلك .. خرج عليهم صلّى الله عليه وسلم وبيده حفنة من تراب، فجعل ينثرها على رءوسهم وهو يتلو صدر (سورة يس)، فأتاهم آت، فقال لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا، قال: خيّبكم الله؛ قد خرج عليكم محمد، ثم ما ترك أحدا منكم إلا وقد وضع على رأسه ترابا، فمسّ كل منهم رأسه فوجده كما قيل، ثم نظروا إلى الفراش، فرأوا عليا مسجّى بالبرد، فبقوا متحيرين حتى أصبحوا، فقام علي، فعرفوا صدق المخبر لهم، وأنزل الله في


(١) ذكره الطبري في «تاريخه» (٢/ ٣٦٩)، وابن هشام في «السيرة» (٢/ ٤٦٨)، وعند ابن سعد (١/ ١٩٢) بسنده عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج .. فليخرج إليها».
(٢) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٣٥)، وانظر «طبقات ابن سعد» (١/ ١٩٣)، و «تاريخ الطبري» (٣٦٩/ ٢ و ٣٧٥).
(٣) أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» (١/ ٢٥٧)، والبيهقي في «الدلائل» (٢/ ٤٦٦)، وابن سعد (١/ ١٩٣)، والطبري في «التاريخ» (٢/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>