بالصبر والاحتساب، وتبعث على الطلب والاكتساب، وقال آخرون: يؤمر بالإنفاق، ولا يحمل على الطلاق، فلم تفهم المرأة قوله، وأعادت مسألتها، فقال لها: يا هذه؛ قد أجبتك عن مسألتك، وأرشدتك إلى طلبتك، ولست بسلطان فأمضي، ولا قاض فأقضي، ولا زوج فأرضي، فانصرفت ولم تفهم جوابه.
وصنف في عنفوان شبابه كتاب «الزهرة»، وهو مجموع أدب، أتى فيه بكل غريبة ونادرة وشعر رائق، وكان يناظر أبا العباس بن سريج.
واجتمع يوما هو وأبو العباس بن سريج في مجلس الوزير ابن الجراح، فتناظرا في الإيلاء، فقال له ابن سريج: أنت بقولك: من كثرت لحظاته .. دامت حسراته أبصر منك بالكلام في الإيلاء، فقال له ابن داود: لئن قلت ذلك .. فإني أقول: [من الطويل]
أنزّه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرّما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو انه ... يصبّ على الصخر الأصمّ لهدّما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي ردّه لتكلّما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما إن أرى حبا صحيحا مسلّما
فقال له ابن سريج: ولم تفتخر علي ولو شئت أنا أيضا .. لقلت: [من الكامل]
ومسامر بالغنج من لحظاته ... قد بتّ أمنعه لذيذ سناته
ضنا بحسن حديثه وغنائه ... وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراته
فقال ابن داود: يحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه وبراته، فقال ابن سريج: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما ظرفا ولطفا، وفهما وعلما.
توفي يوم الاثنين تاسع شهر رمضان من سنة سبع وتسعين-أو ثمان وتسعين-ومائتين وعمره إذ ذاك اثنتان وأربعون سنة، ويوم وفاته هو اليوم الذي توفي فيه القاضي يوسف بن يعقوب الأزدي.
قال الشيخ اليافعي: (ونقل ابن خلكان عنه حكاية لا تصح؛ فإنه قال: ويحكى أنه لما بلغته وفاة ابن سريج .. كان يكتب شيئا، فألقى الكراس من يده وقال: مات من كنت أحث