القرامطة جموعهم، وقصدوا ذمار، فلحق المرتضى بأبيه الهادي، وذلك في سنة أربع وتسعين ومائتين، ثم قصد علي بن الفضل صنعاء في جيش عظيم، ودخلها لثلاث مضين من رمضان سنة ثمان وتسعين ومائتين، ورتب فيها من يحفظها، فلما رأى أنه قد استحكم له الأمر .. خلع طاعة عبيد الله المهدي، وكاتب صاحبه منصورا بذلك، فلامه منصور على ذلك وقال له: كيف تخلع طاعة من لم تنل خيرا إلا به، وببركة الدعاء إليه؟ وذكره العهود والمواثيق، فلم يلتفت ابن الفضل إلى ذلك، ثم كتب إلى منصور وقال: إن لي أسوة بأبي سعيد؛ إذ قد دعا إلى نفسه، وأنت إن لم تدخل في طاعتي .. نابذتك بالحرب.
وغلب على ظن منصور صحة ما يقوله، ثم تحصن بحصن جبل مسور من كل ناحية، وسار ابن الفضل لحرب منصور في عشرة آلاف رجل من المعدودين المعروفين بالشجاعة، فحصر منصورا في حصنه ثمانية أشهر، فلم يظفر منه على طائل، وسئم الوقوف، وشق عليه الرجوع بغير وجه، فراسله منصور بن حسن في معنى الصلح، فقال: لا، إلا أن يرسل إلي بعض ولده، يقف معي على الطاعة، ويظهر للناس أني تركته تفضلا لا عجزا، فأرسل إليه منصور بعض ولده، فطوقه علي بن الفضل طوقا من ذهب، وسار معه إلى صنعاء، فأقام بها أياما، ثم استناب فيها أسعد بن أبي يعفر، وسار إلى المذيخرة، فقدم إلى صنعاء رجل بغدادي يزعم أنه شريف، وكان جراحيا ماهرا في عمل الأدوية، بصيرا بفتح العروق ومداواة الجرحى، فصحبه أسعد بن أبي يعفر واختص به، ثم قال الطبيب: قد عزمت على أن أهب نفسي لله وللمسلمين، وأريحهم من هذا الطاغية، فقال له أسعد بن أبي يعفر: لئن فعلت ذلك وعدت ..
لأقاسمنك ملكي، وتعاهدا على ذلك.
ثم قصد الطبيب المذيخرة، فخالط وجوه الدولة بها وكبراءها، وسقاهم الأدوية النافعة، وقصده من احتاج إلى ذلك، فانتفع به ناس كثير، ورفع ذكره إلى علي بن الفضل، وأثني عليه بحضرته، وقيل له: إنه لا يصلح أن يكون إلا لمثلك، فاحتاج يوما إلى الفصاد، فحضر الطبيب بين يديه، وجرّد من ثيابه، وغسل المبضع وهو ينظر، وكان قد دهن أطراف شعر رأسه بسم قاتل، فلما دنا ليفصده وقعد بين يديه .. مص المبضع بفمه؛ تنزيها لنفسه، ثم مسحه بأطراف شعره كالمنشف له، فعلق به السم ما علق، وفصده الأكحل وربطه، وخرج من فوره هاربا من المذيخرة، متوجها نحو أسعد بن أبي يعفر، فلما كان بعد ساعة .. أحس علي بن الفضل بالموت، فطلب الحكيم الغريب فلم يجده،