ويقرأ عليه، ولم يزل حاله يتزايد مع كافور إلى أن توفي كافور في التاريخ المذكور.
وكان ابن الفرات وزير كافور يحسده ويعاديه، ولما مات كافور .. قبض ابن الفرات على جميع الكتّاب وأصحاب الدواوين، وقبض على يعقوب في جملتهم، ولم يزل يتوصل ويبذل المال حتى أفرج عنه، فلما خرج من الاعتقال .. توجّه إلى بلاد المغرب، فلقي جوهرا الخادم وهو متوجه بالعساكر والخزانة إلى الديار المصرية ليملكها، فرجع في صحبته، وقيل: بل استمر في قصده، وانتهى إلى إفريقية، وتعلق بخدمة المعز، ثم رجع إلى الديار المصرية، فلم يزل يترقى إلى أن ولي الوزارة للعزيز بن المعز، وعظمت منزلته عنده، ومهد قواعد الدولة.
وكان يعقوب يحب العلماء، ويجمع عنده العلماء، وتقرأ عنده مصنفاته في كل ليلة جمعة، ويحضره الفقهاء والقضاة والقراء وأصحاب الحديث والنحاة وجميع أرباب الفضائل وغيرهم من وجوه الدولة، فإذا فرغ من مجلسه .. قام الشعراء ينشدون المدائح، وكان في داره قوم يتلون كتاب الله، وآخرون يقرءون الحديث والفقه والأدب حتى الطب، وينصب كل يوم خوانا للخاصة، وموائد عديدة لمن عداهم من أهل مجلسه، وكان يجلس كل يوم بعد صلاة الصبح، وتعرض عليه رقاع الناس في الحوائج والظلامات، وكان في خدمته قواد، من جملتهم القائد أبو الفتوح فضل بن صالح الذي تنسب إليه منية القائد، وهي بليدة من أعمال الجيزة من الديار المصرية، وكانت هيبته عظيمة وجوده وافرا.
وكان له طيور سابقة، وللعزيز كذلك، فسابق يوما بعض طيوره بعض طيور العزيز، فسبق طير العزيز، فعز ذلك على العزيز، وقيل له: إنه قد اختار لنفسه من كل شيء أجوده وأعلاه، حتى الحمام، وقصدوا بذلك الإغراء به؛ حسدا له، لعله يتغير عليه، فاتصل ذلك بالوزير، فكتب إلى العزيز:[من السريع]
قل لأمير المؤمنين الذي ... له العلا والنسب الثاقب
طائرك السابق لكنه ... جاء وفي خدمته حاجب
فأعجب ذلك العزيز، وذهب عنه ما كان يجده عليه، قيل: إن البيتين له، وقيل:
لمولى الدولة، المعروف بابن خيران.
ولما مرض .. عاده العزيز وقال له: لو كنت تشترى لاشتريتك بملكي، وفديتك بولدي، هل من حاجة توصي بها؟ فبكى وقبل يده وقال: أما فيما يخصني .. فأنت أرعى