وإن خدعك وقال: أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة .. فلا تقبل ذلك منه، ولا ترفع العقوبة عنه.
فتسلمه الشرطي ليلا، وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة سنة تسع وثلاث مائة، فأخرجه إلى عند باب الطاق، وهو يتبختر في قيوده، واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم، وضربه الجلاد ألف سوط ولم يتأوه، بل قال للشرطي لما بلغ الست مائة: ادع بي إلى عندك؛ فإن لك عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية، فقال له: قد قيل لي عنك: بأنك تقول هذا وأكثر منه، وليس لي إلى رفع الضرب عنك سبيل، ولما فرغ من ضربه .. قطع أطرافه الأربعة، ثم حز رأسه، ثم أحرقت جثته، ولما صار رمادا .. ألقاه في دجلة، ونصب الرأس ببغداد على الجسر.
واتفق أن دجلة زاد تلك السنة زيادة وافرة، فادعى أصحابه أن ذلك بسبب إلقاء رماده فيها، وادعى بعض أصحابه أنه لم يقتل، ولكن ألقي شبهه على عدو من أعداء الله.
وقيل: إن أصحابه جعلوا يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما.
وبالجملة: فالناس مختلفون في أمره: منهم من يبالغ في تكفيره ويجعله صاحب مخاريق، ومنهم من يبالغ في تعظيمه ويجعله صاحب مقامات وكرامات، ومنهم من يتوقف فيه.
قال الشيخ اليافعي:(والمحققون اعتذروا عنه، وأجابوا عما صدر منه بتأويلات، منهم شيخ العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ شهاب الدين السهروردي، والإمام حجة الإسلام الغزالي، وقبلهم الشيخ أبو العباس بن عطاء، والشيخ أبو القاسم النصرآباذي، والشيخ أبو عبد الله بن خفيف، قال: وأفتى أكثر علماء عصره بإباحة دمه.
وكان الجنيد إذا سئل عنه .. يقول: هذا رجل خفي عليّ حاله، وما أقول فيه شيئا.
وما قيل: إن الجنيد وابن داود الظاهري ممن أفتى بقتله لا يصح؛ لأن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين قبل الحلاج بإحدى عشرة سنة، ومحمد بن داود توفي قبل قضية الحلاج باثنتي عشرة سنة) اهـ (١)
ويمكن أنهما أفتيا بإباحة دمه قبل قتله عند ما ظهر منه ما ظهر، فقد قدمنا أنه لزم وحبس في سنة إحدى وثلاث مائة، والله سبحانه أعلم.