للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«المقصورة» المشهورة التي مدح بها ابني ميكائيل، وكانا يومئذ على عمالة فارس، فأجازاه بعشرة آلاف درهم، وصنف لهما أيضا كتاب «الجمهرة» وهو من الكتب المعتبرة في اللغة، فقلداه ديوان فارس، فكانت تصدر كتب فارس عن رأيه، ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه، فأفاد منها أموالا عظيمة، وكان سخيا كريما لا يمسك درهما.

ومن مليح شعره قوله: [من الكامل]

غراء لو جلت الخدور شعاعها ... للشمس عند طلوعها لم تشرق

غصن على دعص (١) ... تأوّد فوقه

قمر تألّق تحت ليل مطبق

لو قيل للحسن احتكم لم يعدها ... أو قيل خاطب غيرها لم ينطق

فكأننا من فرعها في مغرب ... وكأننا من وجهها في مشرق

تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها ... الويل حل بمقلة لم تطبق

أخذ عن أبي حاتم السجستاني، والرياشي، وعبد الرحمن بن عبد الله المعروف بابن أخي الأصمعي، وأبي عثمان سعيد بن هارون وغيرهم، وتنقل في البلدان.

ولما عزل ابنا ميكائيل عن فارس، وانفصلا إلى خراسان .. انتقل ابن دريد من فارس إلى بغداد، فأجرى له المقتدر كل شهر خمسين دينارا، واستمر ذلك إلى وفاته.

وكان واسع الرواية.

عرض له في رأس التسعين من عمره فالج، سقي له الترياق فبرئ، ثم عاوده، فبطلت حركته، وكان إذا دخل عليه الداخل وهو بعيد منه .. صاح وتألم، قال تلميذه ابن القالي:

فكنت أقول في نفسي: عاقبه الله تعالى بقوله في «مقصورته»: [من الرجز]

مارست من لو هوت الأفلاك من ... جوانب الجوّ عليه ما شكا

وكان مع ذلك ثابت الذهن، كامل العقل، يرد فيما يسأل عنه ردا صحيحا، وعاش بعد ذلك عامين، وكان كثيرا ما يتمثل: [من الطويل]

فوا حزني أن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضى به الله صالح

توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة في اليوم الذي توفي فيه أبو هاشم الجبائي المعتزلي، فقال الناس: دفن علم اللغة والكلام.


(١) الدعص: كثيب من الرمل مجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>