للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم، حضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال، وموسم الأدباء، وحلية الشعراء، قيل: إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك والخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر، وكان أديبا شاعرا مجيدا، ومحبا لجيد الشعر، شديد الاهتزاز) (١).
ومن بديع شعره قوله: [من الطويل]
وساق صبيح للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقضّ علينا ومنفضّ
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجو دكنا والحواشي على الأرض
يطرّزها فوق السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيضّ
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبّغة والبعض أقصر من بعض
قال ابن خلكان: (وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يحضر مثلها للسوقة، ويقال: إن الأبيات لأبي الصقر القبيصي، والبيت الأخير أخذ معناه أبو علي الفرج بن محمد المؤدب البغدادي فقال في فرس أدهم محجّل: [من الخفيف]
لبس الصبح والدّجنّة بردي ... ن فأرخى بردا وقلص بردا
وقيل: إنها لعبد الصمد بن المعذّل.
وكان لسيف الدولة جارية من بنات ملوك الروم في غاية الجمال، فحسدها بعض الحظايا؛ لقربها منه ومحلها من قلبه، وعز من على إيقاع مكروه بها من سم أو غيره، فبلغه الخبر وخاف عليها، فنقلها إلى بعض الحصون احتياطا وقال: [من الخفيف]
راقبتني العيون فيك فأشفق ... ت ولم أخل قط من إشفاق
ورأيت العدو يحسدني في ... ك مجدّا يا أنفس الأعلاق
فتمنيت أن تكوني بعيدا ... والذي بيننا من الود باق
رب هجر يكون من خوف هجر ... وفراق يكون خوف فراق
(١) «يتيمة الدهر» (١/ ٣٧).