وكان سيف الدولة يوما بمجلسه، والشعراء ينشدونه بمدينة حلب، فتقدم رجل رث الهيئة وأنشد:[من المنسرح]
أنت عليّ وهذه حلب ... قد نفد الزاد وانتهى الطلب
بهذه تفخر البلاد وبال ... أمير تزهو على الورى العرب
وعبدك الدهر قد أضر به ... إليك من جور عبدك الهرب
فقال له سيف الدولة: أحسنت والله، وأمر له بمائتي دينار.
وكان ناصر الدولة أكبر سنا من سيف الدولة، وكان الذي لقبهما بهذا اللقب الخليفة المتقي بالله، وكان الخليفة المكتفي بالله قد ولى أباهما عبد الله بن حمدان الموصل وأعمالها، فملك ناصر الدولة الموصل بعد أبيه؛ لأنه أكبر سنا، وكان أقدم منزلة عند الخلفاء، فلما توفي سيف الدولة في سنة ست وخمسين .. تغيرت أحوال ناصر الدولة كما سيأتي في ترجمته (١).
وأخبار سيف الدولة كثيرة مع الشعراء وغيرهم، وملك حلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة، انتزعها من أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيذ.
ولد سيف الدولة سنة ثلاث-أو إحدى-وثلاث مائة، وتوفي يوم الجمعة لخمس بقين من صفر سنة ست وخمسين، ودفن في تربة أبيه، وكان قد جمع له من الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئا، وعمله لبنة بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خده عليها في لحده، فنفذت وصيته.
قال الشيخ اليافعي: (لعل أحمد بن سعيد الكلابي المذكور هو المراد بقول الشاعر: [من البسيط]
ما زلت أسمع والركبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
على ما ذكر بعضهم أنه أحمد بن سعيد، وذكر ابن خلكان وغيره أنه جعفر بن فلاح،