للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المنسوب إليه: [من الكامل]

قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت نسك أخي التقى المترهب

نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يتلهّب

وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب

وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها اذهبي لا تلهبي

والتنوخي المذكور هو الذي يقول فيه أبو عبد الله الشاعر: [من الوافر]

إذا ذكر القضاة وهم شيوخ ... تخيّرت الشباب على الشيوخ

ومن لم يرض لم أصفعه إلا ... بحضرة سيدي القاضي التنوخي

وللتنوخي المذكور ولد أديب فاضل، صحب أبا العلاء المعري، وأخذ عنه كثيرا، وهم أهل بيت كلهم فضلاء ظرفاء.

قال القاضي ابن خلكان: (وقد أذكرتني هذه الأبيات في الخمار المذهب حكاية وقفت عليها منذ زمان بالموصل، وهي أن بعض التجار قدم مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم يحمل من الخمر السود، فكسدت عليه ولم يجد لها طالبا، فضاق صدره، فقيل له: عليك بمسكين الدارمي؛ فإنه من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، فقصده، فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فقص عليه قصته، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحالة؟ ! فقال التاجر: أنا رجل غريب وليس معي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج مسكين من المسجد، وأعاد لباسه الأول، وعمل هذين البيتين: [من الكامل]

قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا أردت بناسك متعبّد

قد كان شمر للصلاة إزاره ... حتى قعدت له بباب المسجد

وشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الخمر التي معه بأضعاف ثمنها؛ لكثرة رغبتهن فيه، فلما فرغ منه .. عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه) (١).

توفي التنوخي المذكور سنة أربع وثمانين وثلاث مائة.


(١) «وفيات الأعيان» (٤/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>