وكان حسن الفطنة، كتب بعضهم إليه رقعة أغار فيها على رسائله، وسرق جملة من ألفاظه، فوقّع تحتها: هذه بضاعتنا ردت إلينا.
وحبس بعض عماله في مكان ضيق بجواره، ثم صعد السطح يوما فرآه فناداه المحبوس بأعلى صوته: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَااءِ الْجَحِيمِ} فقال الصاحب: {اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ} يعني:
أنك خاطبتنا بخطاب من هو معذب، فأجبناك بالجواب الذي يجاب به أهل النار.
وله نوادر وتصانيف كثيرة منها: «المحيط» في اللغة في سبع مجلدات، و «الكشف عن مساويء شعر المتنبي» وكتاب «أسماء الله تعالى وصفاته» وغير ذلك، وله رسائل بديعة ونظم جيد، ومنه قوله: [من الكامل]
رق الزجاج ورقّت الخمر ... فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
وكان معتزليا، إذا ذكر عنده الباقلاني وابن فورك والأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني-أئمة أهل السنة، وكانوا متعاصرين-من أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري .. قال: الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل مطرق، والأسفراييني نار محرق.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: (وكأن روح القدس نفث في روعه حيث أخبر عن حال هؤلاء الثلاثة بما هو حقيقة الحال فيهم) اهـ (١)
توفي الصاحب ليلة الجمعة رابع وعشرين شهر صفر من سنة خمس وثمانين وثلاث مائة بالري، ثم نقل إلى أصبهان، ودفن بمحلة تعرف بباب دزيه، ولما خرج نعشه .. صاح الناس بأجمعهم، وقبلوا الأرض، ومشى مخدومه فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس، وقعدوا للعزاء أياما، ورثاه الشعراء، ومنه قول أبي سعيد الرستمي: [من الطويل]
أبعد ابن عباد يهش إلى السرى ... أخو أمل أو يستماح جواد
أبى الله إلا أن يموتا بموته ... فما لهما حتى المعاد معاد
وقال أبو القاسم بن أبي العلاء الشاعر الأصبهاني: رأيت في المنام وكأن قائلا يقول:
لم لم ترث الصاحب مع فضلك وشعرك؟ فقلت: ألجمتني كثرة محاسنه، فلم أدر بم أبدأ
(١) «تبيين كذب المفتري» (ص ١٨٨).