فكأنّما لطم الصّباح جبينه ... فاقتصّ منه فخاض في أحشائه
في أبيات أخر.
ومن قوله في سيف الدولة: [من البسيط]
لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل
وهذا المعنى فيه إلمام بقول البحتري: [من الكامل]
وقطعتني بالجود حتى أنني ... متخوف ألا يكون لقاء
أخجلتني بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء
وفي معناه أيضا قول دعبل: [من الكامل]
أصلحتني بالبرّ بل أفسدتني ... وتركتني أتسخط الإحسانا
وهذا المعنى مطروق للشعراء، وما ألطف قول المعري فيه: [من البسيط]
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر
أي: بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة، وبعدها راء، وهو البرد الشديد، والمعنى: أن الماء إذا أفرط في شدة البرد وزادت برودته .. ترك شربه.
قال محمد بن وشاح: سمعت عبد العزيز ابن نباتة يقول: كنت يوما في دهليزي، فدق علي الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل المشرق، فقلت: ما حاجتك؟ فقال:
أنت القائل: [من الطويل]
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوّعت الأسباب والموت واحد
فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، ثم ذهب، فدق علي آخر، فسألته: من أنت؟ فقال: رجل من المغرب، فقلت: ما حاجتك؟ فقال مثل ما قال الأول، فأجبته بجوابي الأول، وعجبت كيف وصل شعري إلى المشرق والمغرب!
قال أبو الحسن محمد بن علي البغدادي صاحب كتاب «المفاوضة»: عدت أبا نصر ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه، فأنشدني هذا البيت: [من البسيط]
متّع لحاظك من خلّ تودّعه ... فما إخالك بعد اليوم بالوادي
وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي، وذلك في سنة خمس وأربع مائة.