للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد اجتهدت فلم يسمح ببعض ما كان يأتي، فعلم صدقها، فرجع عن تلك النية، ثم قال:

ارجعي الآن؛ فإنك تبلغين الغرض، وعقد على نفسه ألا يفعل ما نواه، فخرجت الصبية ومعها ما شاءت من ماء السكر وهي مستبشرة، فقال السلطان للواعظ: لم لا تذكر للرعية أن كسرى اجتاز على بستان، فقال للناطور: ناولني عنقودا من الحصرم، فقال له: ما يمكنني ذلك؛ فإن السلطان لم يأخذ حقه، ولا يجوز لي خيانته؟ ! فعجب الحاضرون من مقابلته الحكاية بمثلها، ومعارضته ما أوجب الحق له بما أوجب الحق عليه.

ويحكى أن مغنية أحضرت إليه وهو بالري، فأعجب بها، واستطاب غناءها، فهم بها، فقالت: يا سلطان؛ إني أغار على هذا الوجه الجميل أن يعذب بالنار، وإن الحلال أيسر، وبينه وبين الحرام كلمة، قال: صدقت، فاستدعى القاضي، فزوجها منه، وابتنى بها، وتوفي عنها.

وتزوج الخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين بابنة السلطان المذكور، وكان في الخطبة الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب «التنبيه» و «المهذب» رحمهم الله، فأنفذه الخليفة إلى نيسابور لهذا السبب؛ فإن السلطان كان هناك، فلما وصل إليه .. أدى الرسالة، ونجز الشغل، وعاد إلى بغداد في أقل من أربعة أشهر، وناظر إمام الحرمين بنيسابور، فلما أراد الانصراف من نيسابور .. خرج إمام الحرمين لوداعه، وأخذ بركابه حتى ركب الشيخ أبو إسحاق، وظهر للشيخ في خراسان منزلة عظيمة، وكانوا يأخذون التراب الذي وطئته بغلته، فيتبركون به.

وزفت ابنة السلطان إلى الخليفة في سنة ثمانين وأربع مائة، وفي صبيحة دخولها عليه أحضر الخليفة المقتدي عسكر السلطان على سماط صنعه لهم كان فيه أربعون ألف منّ سكّرا.

وفي بقية هذه السنة ظهر للخليفة ولد من ابنة السلطان سماه: أبا الفضل جعفرا، زينت بغداد لأجله.

وكان السلطان قد دخل بغداد دفعتين، فهي من جملة بلاده التي تحتوي عليها مملكته، وليس للخليفة فيها سوى الاسم، وخرج منها في الدفعة الثانية على الفور إلى نحو دجيل لأجل الصيد، فاصطاد وحشا، وأكل من لحمه، فابتدأت به العلة، وافتصد، فلم يكثر من إخراج الدم، فعاد إلى بغداد مريضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>