للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما صار بعدن .. قدم وزيره ابن أبي الطاهر إلى زبيد على طريق الساحل، وأمره أن يستأمن لنفسه، وأن يشيع بموت جياش بالهند، وأن يكشف له عن حقيقة من بقي من قومه من الحبشة، وصعد جياش إلى ذي جبلة يكشف عن أحوال المكرم أحمد بن علي الصليحي وما هو عليه من العكوف على لذاته، واضطراب جسمه، وتفويض الأمر إلى زوجته السيدة، ثم انحدر إلى زبيد، واجتمع بوزيره خلف، فأخبره بما طابت به نفسه عن مواليه وبني عمه وعبيده، وجرى على عادة أهل الهند في تطويل أظفاره وشعره وستر إحدى عينيه بخرقة، فمكث مدة بزبيد يكاتب الحبشة المتفرقين في الأعمال يأمرهم بالاستعداد حتى حصل حول المدينة خمسة آلاف حربة متفرقة، بعضها في الجوار، وبعضها في المدينة، ورأى مولاه الحسين بن سلامة في النوم وقال له: يعود لك الأمر الذي تحاوله ليلة ولادة هذه الجارية الهندية، ثم التفت الحسين إلى جانبه الأيمن، فقال لرجل معه: أليس الأمر كذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى، ويبقى الأمر في ولد هذا المولود برهة من الدهر، وكان جياش في مدة تنكره بزبيد كثيرا ما يلعب الشطرنج مع علي بن القم وزير أسعد بن شهاب الصليحي والي زبيد ومع ولده الحسين بن علي بن القم، فلعب يوما مع الحسين بحضرة أبيه، وتراخى له حتى غلبه الحسين قصدا في التقرب إلى قلب أبيه، فطاش الحسين من الفرح، وسفه على جياش، ثم مد يده إلى الخرقة التي على عينه، فقام جياش مغضبا، فعثر من الغيظ، فاعتزى وقال: أنا جياش بن نجاح على جاري عادته، فلم يسمعه سوى علي بن القم، فوثب خلفه حافيا يجر إزاره حتى أدركه، فأمسكه وأخرج له المصحف، فحلف له يمينا طابت به نفسه، وحلف جياش له أيضا، ثم هيأ له دارا، وأمره بنقل الجارية الهندية إليها، وحمل إليها أثاثا وماعونا ووصائف ووصفان، وعوّق جياشا عنده إلى الليل، ثم أذن له في الانصراف، فانصرف إلى البيت، فوجد الجارية قد وضعت الفاتك بين المغرب والعشاء، ثم أتاه علي بن القم ليلا وقال له: اعلم أن خبرنا لا يخفى على أسعد بن شهاب، فأخبره جياش أن في البلد خمسة آلاف حربة من أهله وعبيده، فقال له ابن القم:

ملكت البلاد، فاكشف أمرك، فأمر جياش بضرب الطبول والأبواق، وثار معه عامة أهل البلد وخمسة آلاف حربة من الحبشة، فأسر أسعد بن شهاب، وأحسن إليه، وجهزه إلى صنعاء في أهله وحشمه كما ذكرناه في ترجمة أسعد بن شهاب، وتسلم جياش دار الإمارة بما فيها صبيحة الليلة التي ظهر فيها ولده، فلم يمض شهر حتى كان يركب في عشرين ألف حربة من الحبشة، فسبحان المعز بعد الذلة، والمكثر بعد القلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>