بكل عضب تخر الهام ساجدة ... إذا رأته كأن الهام تعبده
قال محمد بن العبيد الشاعر الحكمي: اجتمعت بابن القم عند الداعي سبأ بن أحمد الصليحي وقد جاء هاربا من صاحب زبيد، فأنشدته قول محمد بن سعيد الخفاجي الحلبي من قصيدة له في ناصر الدولة أبي علي يقول فيها: [من الطويل]
وفيكم روى الناس المديح ومنكم ... تعلّم فيه القوم بذل الرغائب
فدعني وصدق القول فيك لعله ... يكفر عن تلك القوافي الكواذب
وما كنت لما أعرض البحر زاخرا ... أقلب طرفي في جهام السحائب
طويت إليك الباخلين كأنما ... سريت إلى شمس الضحى في الغياهب
فلما سمع ابن القم البيت الأخير .. قال: يعلم الله أني آخذ هذا البيت عن الحلبي أخذا يسرك، ثم بتنا معا، فلما أصبحنا .. قام ابن القم لينشد مقطوعا عمله في تلك الليلة، فمنعه الداعي من القيام، ورمى له بمخدة، وأقعده عليها إكراما وقال: أنت يا أبا عبد الله كما قال المتنبي: [من الخفيف]
وفؤادي من الملوك وإن كا ... ن لساني من جملة الشعراء
قال ابن العبيد: ثم أنشد ابن القم قوله: [من الطويل]
ولما مدحت الهزبري بن أحمد ... أجاز وجازاني على المدح بالمدح
فعوضني شعرا بشعري وزادني ... عطاء فهذا رأس مالي وذا ربحي
شققت إليه الناس حتى لقيته ... فكنت كمن شق الظلام إلى الصبح
قال أبو الحسن الخزرجي: (وبيت ابن القم أتم معنى، وأحسن سبكا؛ لأن الحلبي قال: «طويت إليك الباخلين» فأفهم أنه قصده وقصد غيره من الأجواد، وإنما طرح البخلاء فقط، وشبه الطي بالسرى، فاختلف اللفظ مع تقارب المعنى، وابن القم قال: «شققت إليك الناس» فأفهم أنه طرح البخلاء والأجواد، وشبه الشق بالشق، فاستبك اللفظ سبكا جيدا، ولكن للخفاجي فضيلة السبق إلى المعنى الغريب والتشبيه الحسن) (١).
ومن شعر ابن القم ما كتبه على كأس فضة: [من الخفيف]
إن فضلي على الزجاجة أني ... لا أذيع الأسرار وهي تذيع
(١) «طراز أعلام الزمن» (١/ ٣٧٣).