للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: يا رسول الله؛ لو أن بعضهم طأطأ بصره .. لأبصرنا، قال: «اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما» (١).

وبعد الثلاث جاءهم الدليل بالراحلتين فارتحلوا، وأردف أبو بكر خلفه عامر بن فهيرة ليخدمهما، قال: فأخذ بهم طريق الساحل، وأخذت قريش عليهم بالرصد والطلب، وجعلوا دية كل واحد منهما لمن أسره أو قتله (٢).

قال أبو بكر رضي الله عنه: (فأخذ علينا الرصد، فخرجنا ليلا، فاختبأنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة، ثم رفعت لنا صخرة، فأتيناها ولها شيء من ظل، ففرشت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فروة معي، ثم اضطجع، فانطلقت أنفض ما حوله (٣)؛ فإذا أنا براع قد أقبل في غنمه يريد من الصخرة الذي أردنا، فسألته: لمن أنت يا غلام؟ فقال: أنا لفلان، فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، فقلت له: هل أنت حالب لنا؟ قال:

نعم، فأخذ شاة من غنمه، فقلت: انفض الضّرع، قال: فحلب كثبة من لبن (٤)، ومعي إداوة من ماء عليها خرقة، قد روأتها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم (٥)، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: اشرب يا رسول الله؛ فشرب حتى رضيت، ثم ارتحلنا بعد ما زالت الشمس والطلب في أثرنا، واتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في جلد من الأرض (٦)، فقلت: يا رسول الله؛ أتينا، فقال: «لا تحزن إن الله معنا»، فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها (٧)، فقال: إني علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوا الله لي، والله؛ لكما أن أرد الطلب، فدعا الله فنجا، فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتكم ما ههنا، فلا يلقى أحدا إلا رده، قال: ووفى لنا) (٨).

وروي: أنهما مرا بخيمة أم معبد، واسمها: عاتكة بنت خالد الخزاعية الكعبية،


(١) «صحيح البخاري» (٣٩٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٩٠٦)، وابن حبان (٦٢٨٠)، وأحمد (٤/ ١٧٥)، والطبراني في «الكبير» (٧/ ١٣٢).
(٣) نفض المكان: نظر جميع ما فيه حتى يعرفه.
(٤) الكثبة-بضم الكاف-: ملء القدح من اللبن.
(٥) روأتها: استعذبتها وهيأتها لحفظ ما يصلح من الماء للشرب.
(٦) الأرض الجلد: الصلبة المستوية.
(٧) ارتطمت فرسه؛ أي: غاصت قوائمها.
(٨) أخرجه البخاري (٣٦٥٢)، وابن حبان (٦٢٨١)، وأحمد (١/ ٢)، وأخرجه مسلم مختصرا (٢٠٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>