وكان كثير الحج، فأخذ بمكة عن البندنيجي، وأبي عبد الله الطبري، وعبد الملك بن أبي مسلم النهاوندي إمام المقام.
وكان جوالا في أنحاء اليمن، فلذلك كثر علمه، واتسع فضله، وجمع من الكتب ما يزيد على خمس مائة كتاب.
وكان ورده في صلاته كل ليلة سبع القرآن، وصنف كتابا في الفقه سماه:«التهذيب» في مجلدين لطيفين.
وتفقه به جمع كثير من الفضلاء، منهم: الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني، وعمر بن علقمة وغيرهم.
وله مع ذلك أشعار مستحسنة، منها ما كتبه إلى السلطان أسعد بن وائل وكان قد ولاه الحكم بوحاظة فامتنع، فعتب عليه السلطان في ذلك، فارتحل من القرية التي هو ساكن فيها وهي قرية الجعامي-بفتح الجيم والعين المهملة-في وحاظة يريد قريته التي خرج منها وبها قومه، وهي دمت، وكتب إلى السلطان المذكور شعرا يقول فيه:[من الطويل]
ألا إن لي مولى وقد خلت أنني ... أفارق طيب العيش حين أفارقه
جفاني فأقصاني بعيدا جفاؤه ... وصرت بلحظي من بعيد أسارقه
وأرقب عقبى للوداد جميلة ... وصبرا إلى أن يرقع الخرق فاتقه
وما كان سيري لاختيار فراقه ... ولكنه ميل إلى ما يوافقه
فلما وقف السلطان على كتاب الفقيه .. أمر برده من الطريق وإن كره، فلما رجع إلى السلطان .. قال له: يا سيدي الفقيه؛ أنا أستغفر الله من عتابك، ولك مني نصف ألف دينار، وإن شئت أرض الموجار، فقبل الفقيه منه الأرض، ولم تزل بيده ويد ذريته إلى أن انقرض أعيانهم وضعفوا.
ولم يزل الفقيه على القراءة والإقراء والقرى إلى أن توفي في قرية الجعامي في رجب سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، ويقال: إنه مات وهو ابن سبعين سنة، حكاه الإسنوي في «طبقاته» عن ابن سمرة (١).