للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلم لقتله رجالا من الأنصار، وأمّر عليهم عبد الله بن عتيك، فدنوا من حصنه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم، فدخل عبد الله مع آخر من دخل من أهل الحصن، فكمن داخل الباب، وأبصر المفاتيح حيث وضعت، فلما هدأت الأصوات .. قام وأخذ المفاتيح، وجعل يفتح الأبواب بابا بابا، فكلما فتح بابا .. أغلقه عليه، قال:

قلت: إن القوم نذروا بي .. لم يخلصوا إلى حتى أقتله، قال: فانتهيت إليه وهو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع؛ قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فضربته ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ ! فقال: لأمّك الويل؛ إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة وقعت منها على الأرض، فانكسرت رجلي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك .. قام الناعي على السور، فانطلقت إلى أصحابي، فقلت:

النجاء؛ فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فحدّثته؛ فقال:

«ابسط رجلك»، فبسطت رجلي، فمسحها، فكأني لم أشتكها قط (١).

قال ابن إسحاق عقيب ذكره لقتل كعب بن الأشرف: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من ظفرتم به من رجال يهود .. فاقتلوه»، فوثب محيصة بن مسعود على رجل من تجار يهود كان يلابسهم فقتله، فجعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله؛ أقتلته؟ أما والله؛ لربّ شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: والله؛ لقد أمرني بقتله من لو أمرني


= «المنتظم» (٢/ ٣٤٢)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (٢/ ٣٤١): أنه كان في السادسة، وقد ذكر هذه الأقوال الحافظ في «فتح الباري» (٧/ ٣٤٢) في شرح حديث قتله، لكن لم يذكر أحد أن قتله كان في السنة الثانية، والراجح في ذلك: أنه كان في السادسة، والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري (٤٠٣٩)، والبيهقي (٩/ ٨٠). بسرحهم؛ أي: بمواشيهم، وكمن: اختفى، ونذروا: علموا، وأمكث: ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى، وضبيب: بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين على وزن رغيف، قال الخطابي: هكذا يروى، وما أراه محفوظا، وإنما هو ظبّة السيف، وهو حرف حدّ السيف ويجمع على ظبات، والضبيب لا معنى له هنا؛ لأنه سيلان الدم من الفم، قال عياض: هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة، وكذا ذكره الحربي وقال: أظنه طرفه، وفي غير رواية أبي ذر بالمعجمة، وهو طرف السيف، انظر «فتح الباري» (٧/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>