للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأن الدرع الحصينة المدينة، ثم قال: «فإن رأيتم أن تقيموا بها وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا .. أقاموا بشر مقام، وإن دخلوها ..

قاتلناهم فيها» (١)، فاختلفت آراؤهم في ذلك، فرأى جماعة-منهم: عبد الله بن أبي وكان قد أظهر الإسلام-الإقامة بالمدينة، ورأى جماعة-منهم: من قضى الله لهم بالشهادة، وغيرهم-الخروج إليهم، حتى غلب رأي من أحب الخروج، فدخل صلّى الله عليه وسلم، فلبس لأمته وخرج عليهم، فوجدهم قد رجّحوا رأي القعود، فأبى عليهم وقال: «ما ينبغي للنبي إذا ليس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» (٢)، فسار بهم وذلك بعد أن صلّى بهم الجمعة، وصلّى على مالك بن عمرو أخي بني النجار وكان توفي ذلك اليوم، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فخرج من المدينة في نحو ألف، فلما بلغوا الشّوط (٣) .. انخزل عبد الله بن أبي المنافق بثلث الناس أنفة أن خولف رأيه في القعود، فهمّ بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع والفشل، فتولاهم الله وثبتهم كما قال الله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما، } قال جابر رضي الله عنه: وفينا نزلت وما أحب أنها لم تنزل؛ لقوله تعالى: {وَاللهُ وَلِيُّهُما} (٤)، ونزل صلّى الله عليه وسلم بالشعب من أحد على شفير وادي قناة، وجعل ظهره إلى أحد، ورتب أصحابه وبوأهم مقاعد للقتال، وكانوا مشاة فجعل عبد الله بن جبير أخا خوّات بن جبير على الرماة، وهم خمسون رجلا، وأقعدهم على جبل عينين (٥)، وقال لهم: «لا تبرحوا مكانكم إن غلبنا أو غلبنا» (٦)، وظاهر صلّى الله عليه وسلم بين درعين (٧)، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، وتعبأت قريش، وجعلوا على ميمنتهم وخيلهم خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل، وقال أبو سفيان لبني عبد الدار-وكان إليهم لواء قريش-: إنكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم،


(١) حديث الرؤيا أخرجه الحاكم (٢/ ١٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٧٦٠٠)، والبيهقي (٧/ ٤١)، وأحمد (٣/ ٣٥١)، وأصله في «الصحيحين» عند البخاري (٣٦٢٢)، ومسلم (٢٢٧٢).
(٢) أخرجه البخاري معلقا في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) باب: قول الله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، وعبد الرزاق (٩٧٣٥) من حديث طويل.
(٣) الشّوط: بستان عند جبل أحد بالمدينة.
(٤) أخرجه البخاري (٤٠٥١)، ومسلم (٢٥٠٥).
(٥) عينين-بفتح المهملة وكسرها، تثنية عين-: جبل صغير بأحد.
(٦) أخرجه البخاري (٣٠٣٩)، وابن حبان (٤٧٣٨) وغيرهما.
(٧) أخرجه أبو داود (٢٥٨٣)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٢٩)، وابن ماجه (٢٨٠٦)، وأحمد (٣/ ٤٤٩)، وظاهر بين درعين؛ أي: لبس إحداهما فوق الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>