استوزره صاحب الموصل، وفوض إليه الأمور وتدبير الدولة، فانبسطت يده بالعطاء والجود، حتى عرف بالجواد، وصار ذلك كالعلم عليه.
كان له ديوان مرتب باسم أرباب الرسوم والقضاء لا غير، وكان يحمل كل سنة إلى الحرمين الشريفين من الأموال والكسوة للفقراء والمنقطعين ما يقوم بهم مدة سنة، وأجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم من مكان بعيد، وعمل الدرج من أسفل الجبل إلى أعلاه، وبنى سور المدينة الشريفة وما كان قد خرب من مسجده صلّى الله عليه وسلم، وكان إقطاعه عشر مغل المدينة على جاري عادة وزراء الدولة السلجوقية، فوقع غلاء مفرط، فواسى الناس حتى لم يبق بيده شيء.
ولما توفي السلطان غازي، وتولى أخوه قطب الدين .. استكثر إقطاع الجواد، وثقل عليه أمره، فقبض عليه، وحبسه إلى أن توفي في العشر الأخير من رمضان-وقيل: في شعبان-من سنة تسع وخمسين وخمس مائة، وكان يوما مشهودا من ضجيج الضعفاء والأرامل والأيتام حول جنازته، ودفن بالموصل إلى بعض سنة ستين، ثم نقل إلى مكة، وأحضر المشاهد كعرفة وغيرها، وكانوا يطوفون به في كل يوم مرارا مدة مقامهم بمكة، وكان يوم دخوله مكة يوما مشهودا من اجتماع الخلق والبكاء عليه، وكان معه شيخ مرتّب يذكر مآثره ومحاسنه إذا وصلوا به إلى المزارات والمواضع المعظمة، فلما انتهوا إلى الكعبة .. وقف وأنشد:[من السريع]
يا كعبة الإسلام هذا الذي ... جاءك يسعى كعبة الجود
قصدت في العام وهذا الذي ... لم يخل يوما غير مقصود
ثم حمل إلى المدينة الشريفة، وأدخل بها المسجد الحرام، وطيف به حول الحجرة الشريفة.
وكان له ولد من الأدباء الفضلاء، البلغاء الكرماء، يلقب: جلال الدين، وله ديوان رسائل أجاد فيه، جمعه أبو السعادات بن الأثير، وسماه: كتاب «الجواهر واللآلي من الإملاء المولويّ الوزيري الجلالي».