بالموصل الجامع النوري، وبحماه الجامع الذي على نهر العاصي، وجامع الرها، وجامع منبج، ومارستان دمشق، ودار الحديث بها.
وبالجملة: فله من المناقب الحسنة والمآثر الحميدة ما يستغرق الوصف، حتى قال بعض المشايخ العارفين: إنه كان معدودا في الأولياء من الأربعين، والسلطان صلاح الدين من الثلاث مائة، قد صنف بعضهم في سيرته مصنفا.
ومات في سنة تسع وستين وخمس مائة بعلة الخوانيق، فأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهابا فما روجع، ودفن في بيت بقلعة دمشق كان يلازم الجلوس فيه والمبيت أيضا، ثم نقل إلى تربته بمدرسته التي أنشأها عند باب سوق الخواصين.
وروي عن جماعة أن الدعاء مستجاب عند قبره.
وعهد بالملك إلى ولده الملك الصالح إسماعيل، فقام من بعده، وستأتي ترجمته في هذه العشرين إن شاء الله تعالى (١).
وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس؛ لإحسانه وسيرته الحميدة.
وكان بين نور الدين المذكور وبين سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الإسماعيلية ومقدم الفرقة الباطنية مكاتبات ومحاورات بسبب المجاورة، فكتب إليه نور الدين في بعض الأزمنة كتابا يهدّده فيه ويتواعده بسبب اقتضى ذلك، فشق على سنان، فكتب جوابه أبياتا ورسالة أحببت إيرادها هنا:[من البسيط]
يا ذا الذي بقراع السيف هدّدنا ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام على البازي يهدّده ... فاستيقظت لأسود البر أضبعه
أضحى يسدّ فم الأفعى بأصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه أصبعه
وقال في الرسالة: وقفنا على تفصيله وجمله، وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله، في الله العجب من ذبابة تطنّ في أذن فيل، وبعوضة تعد في التماثيل! ولقد قالها من قبلك قوم آخرون، فدمرناها عليهم وما كان لهم من ناصرين، أو للحق تدحضون، وللباطل تنصرون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي .. فتلك أماني كاذبة، وخيالات غير صائبة؛ فإن