إلى مكة يباع، ويشترى له به ورق ينسخ فيه ما يحتاجه من الكتب، ووقف كتبا كلها على طلبة العلم من أهل السنة، وكتب على كل كتاب منها:[من البسيط]
هذا الكتاب لوجه الله موقوف ... بتّا إلى الطالب السني مصروف
كذا اقتصر الخزرجي على هذا البيت، وأظن أن بعده:
ما للأشاعرة الضلال في كتبي ... حق ولا للذي بالزيغ معروف
ولقد أخطأ رحمه الله في جعله الأشاعرة ضلالا وهم رءوس أهل السنة كما قاله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره، وإذا كان الشيخ أبو إسحاق، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو القاسم القشيري، وأبو حامد الغزالي، وأبو المعالي الجويني، وعزّ الدين بن عبد السلام، وأمثالهم من الأئمة الأعلام ضلالا .. فيا ليت شعري من هو المصيب! !
وبالجملة: فلا ينكر فضل سيف السنة وعلمه وصلاحه، ولكن هذا المعتقد غلب على جل علماء اليمن المتقدمين، وما أظنهم كانوا يوافقون الحنابلة إلا في القول بالصوت والحرف والجهة دون التجسيم والتشبيه.
ومما يحكى من ورع سيف السنة أن الشيخ علي بن المعلم كان ملتزما للمخلاف أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، فصادر قوما على مال، وأراد أن يشتري به شيئا من أراضيهم، فوافقوه على ذلك؛ اتقاء سطوته، فجمع أعيان الفقهاء إلى منزله ومنهم سيف السنة، وأطعمهم طعاما، وأراد كتب شهادتهم على الوثيقة، فامتنع سيف السنة من كتب شهادته على ذلك، فقيل له: كيف أكلت الطعام ولم تشهد؟ ! فقال: قد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أكلوا طعام الكفار، ولما سئل صلّى الله عليه وسلم على الشهادة ..
أشار إلى الشمس وقال:«على مثلها فاشهد»، ثم خرج، فقال ابن المعلم: من هذا؟ فقيل له: هذا سيف السنة، فقال: صدق من سماه بذلك.
ويروى أنه خرج يوما إلى زرعه، فرأى عجورة (١) من الزرع من أسفلها على عقد واحد وقد افترق أعلاها شجنان، في كل شجن سنبلة، فتعجب من ذلك، ومد يده ليأخذها من أسفلها، فوقعت يده على أحد الشجنين، فانسلخ في يده، فتأمله، فإذا فيه مكتوب:(لا إله إلا الله)، وفي الشجن الآخر:(محمد رسول الله) بخط عجيب، فتعجب من ذلك،