واختط باليمن مدينة على قبلي الجند على أميال منها، وسماها: المنصورة، وذلك في سنة اثنتين وتسعين.
وكان ملكا شجاعا كريما، حسن السياسة، حليما، محرابا لا يمل الحرب، وكان إذا تعرض له متظلم وهو في موكبه .. أمسك رأس حصانه، ولا ينصرف من مكانه حتى يكشف ظلامته.
يحكى أن شخصا من أهل وادي سهام عزم من الكدراء إلى صنعاء يشكو إليه من ضامن السوق بالكدراء أخذ منه ثلاثة دراهم بغير موجب، فكسا الشاكي وزوده، وأمره بالرجوع إلى بلده وقال له: إذا كان اليوم الفلاني .. فواجهني في السوق فلا تتأخر، فلما كان يوم ميعاده .. ورد المتظلم السوق ينتظر وصول سيف الإسلام، فبينا هو واقف في السوق وقد اشتد الزحام .. إذ أقبل سيف الإسلام في قطعة من العسكر إلى الكدراء، فلما توسط السوق .. استدعى بالوالي والضامن والمشتكي، فشنق الضامن في السوق، وصرف الوالي عن تلك الجهة وقال: يظلم مثل هذا عندكم ولا تنصفونه، وتكلفوه الوصول إلى أبوابنا؟ ! والله لئن أتاني أحد شاكيا .. لأشنقنّ الوالي، فلم يمد أحد يده إلى ظلم أحد بعدها.
وهو الذي قرر قواعد الملك باليمن، وضرب الضرائب السلطانية، وقنن القوانين، ويقال: إنه أول من جار على أهل النخل من وادي زبيد، حتى هرب طائفة من أهل النخل من أملاكهم، وكان يوصي العمال بالعدل والرفق في أصحاب الزرع خاصة، ويوصيهم بالعنف على أصحاب النخل.
فلما استوثق له أمر اليمن .. دعته نفسه إلى شراء أراضي اليمن كلها حيث كانت، وأراد أن تكون أرض اليمن كلها ملكا للديوان، وكل من أراد حرث شيء منها .. استأجر من الديوان كما هو في ديار مصر، فندب المثمنين إلى سائر البلاد، وأمرهم أن يثمنوا البلاد بأسرها، فشق ذلك على أهل اليمن، فاجتمع جماعة من الصالحين، فدخلوا مسجدا وأقاموا فيه ثلاثة أيام يصومون النهار ويقومون الليل، فلما كان اليوم الثالث أو الرابع ..
خرج أحدهم-وأظنه الشيخ دحمل-في وقت السحر إلى صحن المسجد، ونادى بصوت عال: يا سلطان السماء؛ اكف المسلمين سلطان الأرض، فقال له أصحابه: قليلا قليلا، فقال: قضيت الحاجة وحقّ المعبود؛ سمعت قارئا يقرأ:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ، } فلما كان وقت الظهر من ذلك اليوم وهو يوم الأربعاء سادس وعشرين شوال من سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة .. توفي سيف الإسلام، فبطل ذلك الأمر، ويقال: إنه لما أحس