بلاد الفرنج وقد اعتدوا وحشدوا، فكانت وقعة الزلاقة المشهورة، وكسرهم كسرة شنيعة، واستأصلهم قتلا، ولم ينج منهم إلا ملكهم في نفر يسير، وغنم المسلمون أموالهم، حتى قيل: إنه حصل لبيت المال من دروعهم ستون ألف درع، وأما الدواب على اختلاف أنواعها .. فلم ينحصر لها عدد.
وله مع الفرنج حروب عديدة أذلهم فيها، ونال منهم قتلا ونهبا وتخريبا لديارهم إلى أن التمسوا منه الصلح فصالحهم، وانتقل إلى مدينة سلا، وبنى بالقرب منها مدينة عظيمة على هيئة الإسكندرية سماها: رباط الفتح، ثم رجع إلى مراكش، وتوفي بها في سنة خمس وتسعين وخمس مائة.
ثم إنه لما رجع إلى مراكش .. تجرد عن الملك، وساح في البلاد، وانتهى إلى بلاد المشرق وهو مستخف لا يعرف، ومات خاملا.
قال الشيخ عبد الله اليافعي في «تاريخه»: (ويؤيد هذا القول ما سمعت ممن لا أشك في صلاحه من الفقراء الصادقين من بلاد المغرب: أن جمعا من شيوخ المغاربة ذكروا رسالة الأستاذ أبي القاسم القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة، فأحبوا معارضتها برسالة مشتملة على الشيوخ المغاربة، فقال: إن في رجال القشيرية من تجرد عن الملك، ولا تجد في شيوخ المغرب من هو كذلك، فما يتم لنا ذلك إلا بملك منها يزهد ويسلك طريق ابن أدهم، فجاء الولي الشهير أبو إبراهيم المغربي إلى أمير المؤمنين يعقوب المذكور واجتمع به، فسر به يعقوب، وأخرج له من خزائنه جواهر نفيسة؛ إكراما له في مجيئه إليه، فالتفت أبو إبراهيم إلى شجرة هنالك وإذا هي حاملة جواهر تدهش العقول، فدهش أمير المؤمنين يعقوب من ذلك، وهاله ما رأى من تصريف عباد الله في ملك الله، فاحتقر ما هو فيه من ملك الدنيا، فزهد فيه، وصار من كبار الأولياء)(١).
وإلى الأمير يعقوب المذكور تنسب الدنانير اليعقوبية العربية.
ولما اتفق له بمراكش ما اتفق من التزهد أو الموت .. بويع ولده أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ولقب بالناصر، وارتجع المهدية من الملثم المتقدم ذكره وكان قد استولى عليها.
وتوفي محمد بن يعقوب سنة ست عشرة وست مائة، يقال: إنه أوصى عبيده بحفظ بستانه وحراسته، ثم تنكر، وجعل يمشي في البستان ليلا، فلما رآه الحرس .. ابتدروه