للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنف «إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء» في أربعة مجلدات، و [كتابا في] أخبار الشعراء المتأخرين والقدماء، وكتبا أخرى عديدة.

وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف، وله رسالة كتبها من الموصل إلى وزير [صاحب حلب] أبي الحسن علي بن يوسف الشيباني يصف فيها حاله، تشهد بفضله ومعرفته وبلاغته، يقول فيها-بعد كلام طويل مشتمل على ألفاظ جميلة، ومعان فضيلة-: وقد كان المملوك لما فارق ذلك الجناب الشريف، وانفصل عن مقر العز [اللباب] والفضل المنيف، أراد استعتاب الدهر الكالح، واستدرارا خلف الزمن الغشوم الجامح؛ اغترارا بأن في الحركة بركة، والاغتراب داعية الاكتساب، والمقام على الإقتار ذل وأسقام، وجليس البيت في المحافل سكيت: [من الطويل]

فودعت من أهلي وفي القلب ما به ... وسرت عن الأوطان في طلب اليسر

سأكسب مالا أو أموت ببلدة ... يقل بها فيض الدموع على قبري

فامتطى غارب الأمل إلى الغربة، وركب [ركب] التطواف مع كل صحبة، قاطع الأغوار والأنجاد، حتى بلغ السد أو كاد، فلم يرفق به زمان حرون، ولا مكان حزون (١)، فلكأنه في جفن الدهر قذى، وفي حلقه شجى، تدافعه آمال الأمنيّة، حتى أسلمته إلى ربقة المنيّة: [من البسيط]

لا يستقر بأرض أو يسير إلى ... أخرى لشخص قريب عزمه نائي

يوما بحزوا ويوما بالعقيق ويو ... ما بالعذيب ويوما بالخليصاء

وتارة ينتحي نجدا وآونة ... شعب الحرون وحينا قصر تيماء (٢)

والمملوك مع ذلك يدافع الأيام ويزجيها، ويعلل المعيشة ويرجيها، متلفعا بالقناعة والعفاف، مشتملا بالنزاهة والكفاف، غير راض بذلك الشمل، ولكن مكره أخوك لا بطل، قد ألزم نفسه أن يستعمل طرفا طمّاحا، وأن يركب طرفا جمّاحا، وأن يلحف بيض


(١) كذا في «مرآة الجنان» (٤/ ٦٢)، والعبارة في «وفيات الأعيان» (٦/ ١٣٣) و «تاريخ الإسلام» (٤٥/ ٢٦٧): (فلم يصحب له دهره المرون، ولا رق له زمانه المفتون).
(٢) نسب صاحب الترجمة هذه الأبيات في «معجم البلدان» (٢/ ٣٨٦) إلى عبد الله بن أحمد بن الحارث، وفي (ق)، و «وفيات الأعيان» (٦/ ١٣٣): (الحزون)، وفي «معجم البلدان» (٢/ ٣٨٦): (شعب العقيق).

<<  <  ج: ص:  >  >>