للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أخذت الفرنج دمياط في سنة عشر وست مائة .. توجه ملوك الشام إلى الديار المصرية لإنجاد الملك الكامل، وتأخر عنه الملك الأشرف لمنافرة كانت بينهما، فجاءه أخوه الملك المعظم عيسى وأرضاه، فلم يزل يستعطفه حتى استصحبه معه، فعقب وصوله .. انتزعت دمياط من الفرنج، فكانوا يرون أن ذلك بسبب يمن غرته.

ولما مات الملك المعظم عيسى بن الملك العادل، وتولى ولده الملك الناصر .. قصده عمه الملك الكامل محمد من الديار المصرية ليأخذ دمشق، فاستنجد الناصر بعمه الملك الأشرف، فحصل الاتفاق على تسليم دمشق للملك الأشرف، ويكون للناصر الكرك والشوبك، ونابلس وبيسان، وتلك النواحي، وينزل الأشرف عن حران والرها، وسروج والرقة ورأس عين، ويسلمها إلى الملك الكامل، فأقام الملك الأشرف بدمشق، ثم جرت أمور يطول ذكرها، ووقعت الوحشة بين الكامل والأشرف، واتفقت الملوك بأسرها مع الأشرف، وتعاهد هو وصاحب الروم وصاحب حماة وصاحب حمص وأصحاب المشرق على الخروج على الملك الكامل، ولم يبق مع الكامل سوى ابن أخيه الملك الناصر صاحب الكرك؛ فإنه توجه إلى خدمة الكامل بالديار المصرية، فلما عزموا على الخروج على الكامل .. مرض الملك الأشرف مرضا شديدا، وتوفي بدمشق في سنة خمس وثلاثين وست مائة، وتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل.

وكان الأشرف سلطانا حليما، واسع الصدر، كريم الأخلاق، كثير العطاء، لا يوجد في خزانته شيء مع اتساع مملكته، ولا تزال عليه الديون للتجار وغيرهم.

طرب ليلة في مجلس أنسه، فأعطى صاحب الملاهي مدينة خلاط، فتوجه لقبضها من النائب، فعوضه النائب عنها جملة كثيرة من المال.

وكان يميل إلى أهل الخير والصلاح، حسن الاعتقاد فيهم، بنى بدمشق دار الحديث، وفوض تدريسها إلى الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح.

وله مآثر حسنة، مدحه أعيان شعراء عصره، وكان محبوبا إلى الناس، مسعودا مؤيدا في الحروب، كسر أرسلان صاحب الموصل، وكان من الملوك المشاهير، وله مع صاحب الروم وابن عمه الملك الأفضل وقائع مشهورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>