في سنة أربع وعشرين، وقبض على بني رسول، وأرسل بهم إلى مصر تحت الاعتقال، واستبقى منهم المنصور؛ لما بينهما من المودة، ولما أراد الله به من اتصاله بالملك.
ثم عزم المسعود إلى الديار المصرية في سنة ست وعشرين، واستناب المنصور على اليمن، فلما بلغ مكة .. توفي، فلما علم المنصور بموته .. قام بالأمر قياما كليا، وأظهر أنه نائب لبني أيوب، فلم يغير سكة ولا خطبة، وأضمر الاستقلال بالملك، وجعل يولّي الحصون من يرتضيه ويثق به، ويعزل من يخشى منه خلافا، وإن ظهر له من أحد خلاف أو عصيان ..
عمل في قتله أو أسره، فاستولى على البلاد التهامية بأسرها، ثم سار إلى الجبال، فتسلم حصن التّعكر وخدد وصنعاء، واستولى على اليمن بأسره، ثم نازع الكامل في ولايته مكة.
وفي سنة ثلاثين أظهر الاستقلال، وأمر أن يخطب باسمه على المنابر، وأن تضرب السكة باسمه.
وأرسل إلى المستنصر العباسي ببغداد يطلب منه نيابة السلطنة في قطر اليمن، فوصله ذلك من الخليفة في البحر على طريق البصرة.
وكان ملكا ضخما، شجاعا شهما، لا يمل الحرب، عارفا حازما، سريع النهضة عند الحادثة، لم يقنع باقتلاعه ملك اليمن من بني أيوب واستقلاله به بعد أن كان نائبهم حتى طرد عساكرهم مرة بعد أخرى عن مكة المشرفة.
وله مآثر دينية، منها مدرسة بمكة، وأخرى بعدن، وأخرى في حد المنسكية من نواحي سهام، ومدرستان بتعز، وثلاث مدارس بزبيد، ورتب في كل مدرسة مدرسا ومعيدا ودرسة، وإماما ومؤذنا، ومعلما وأيتاما يتعلمون القرآن العظيم، وأوقف عليها أوقافا جيدة تقوم بكفاية الجميع.
ولما رجع من صنعاء إلى الجند .. وثب عليه جماعة من مماليكه فقتلوه في قصر الجند تاسع ذي القعدة من سنة سبع وأربعين وست مائة.
ويقال: إن الذي شجعهم على ذلك ابن أخيه أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول؛ وذلك لما فهم من عمه أنه شاء أن ينتزع منه صنعاء ويقطعها ولده المظفر، فعامل المماليك على قتل عمه، ووعدهم ما اطمأنت إليه نفوسهم، وقد بسطنا ترجمته في «التاريخ» المختص بالثغر (١).