والأنوار المتلالية، والأحوال الصادقة، والكرامات الخارقة، والمقامات السامية، والبركات النامية، قدوة العارفين، ومرشد السالكين، الشريف الحسيب النسيب، محمد بن علي بن محمد بن علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله-ويقال له:
عبد الله أيضا-ابن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
اشتغل في شبيبته بالعلم، فقرأ في بلده تريم على الإمام علي بن أحمد بن سالم أبي مروان، ولازمه حتى فاق في العلم أهل زمانه، وتقدم على أقرانه، وقرأ بتريم أيضا على الإمام عبد الله بن عبد الرحمن بن عبيد وغيرهما.
ثم حصلت له إشارة ربانية، وجذبة رحمانية، فاشتغل بالله في السر والعلانية، وأقبل على العبادة القلبية والبدنية حتى ظهرت عليه أمارات السعادات، وبدت منه أحوال أهل الإرادات، فكان يلقب بمفتي الفريقين، وقدوة أهل الطريقين، وكان أهل بلدة تريم إذ ذاك أهل علم وورع وزهد، وتمسك بالعلم الشرعي والعمل به، ولم يكن لهم في ذلك الزمان من يعرف طريق الصوفية، ولا من يكشف عن أحوالهم، فالفقيه محمد بن علي المذكور أول من تصوف، وأول من استعمل السماع من أهل باعلوي، بل من أهل بلدة تريم.
قال الخطيب: (ذكر أن رجلا من أهل الصلاح يقال له: الفضل وصل من دمشق إلى حضرموت، فقال للفقيه محمد بن علي: إنه لا يفك قفل قلبك إلا الشيخ عبد الرحمن المقعد، وكان الشيخ المقعد إذ ذاك بمكة، فسار الفقيه محمد بن علي قاصدا نحوه، فبلغه خبر وفاته في أثناء الطريق، فرجع إلى تريم.
وكان الشيخ عبد الرحمن المذكور من كبار تلامذة الشيخ أبي مدين، وكان شيخه أبو مدين قد أمره بالسفر إلى حضرموت وقال له: إن لنا فيها أصحابا، فسر إليهم، وخذ عليهم عقد التحكيم ولبس الخرقة-أو كما قال له-وإنك لا تصل إليهم، بل تموت في أثناء الطريق، وترسل إليهم من يأخذ عليهم، فسافر الشيخ عبد الرحمن طالبا حضرموت، فمات في أثناء الطريق، فلما حضرته الوفاة .. أمر تلميذه الشيخ الصالح عبد الله المغربي بالمسير إلى حضرموت وقال له ما قال شيخه أبو مدين، وفي رواية أنه قال له أيضا: اذهب إلى حضرموت تجد فيها الفقيه محمد بن علي باعلوي عند الفقيه علي بن أحمد أبي مروان يستقي منه طارحا سلاحه عند رجليه، فاغمزه من عند الفقيه وحكمه، واذهب إلى قيدون تجد فيها سعيد بن عيسى فحكمه.