وأخذ عنه وانتفع به وقرأ على يده جمع كثير، وجم غفير، منهم المشايخ الأجلاء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن با عبّاد، والشيخ سعيد بن عمر بالحاف، والشيخ عبد الله بن إبراهيم بن أبي قشير، وقد أشار إلى ذلك الفقيه ابن حسان بقوله: [من الطويل]
بصحبته سر السراية قد سرى ... لعبّادهم بحر المكارم زاخر
وقامع نفس بالرياضة حبذا ... قشيريهم قل في لحاف فظافر
من أبيات يمدح بها الشيخ محمد بن علي المذكور.
وورد عليه حال في آخر عمره أخذه عن حسه، فمكث مائة ليلة لا يأكل ولا يشرب ولا يصلي، وكان الفقيه يخبر في تلك الغيبة بأشياء وعجائب من أخبار البلاد البعيدة والأمور المغيبة؛ أخبر بأنه يقع غرق ببغداد، وأن الخليفة يقتل، وقال: إن البحر انفجر، فحصل بحضرموت سيل عظيم-وهو الذي يسمى جاحشا-أخرب كثيرا من البلاد، وأخذ كثيرا من الناس.
فلما طالت غيبته على أهله .. طالبوه أن يأكل شيئا، فلما كان آخر يوم من عمره ..
أكرهوه على إيلاج شيء من الطعام إلى بطنه، فلما ولج الطعام بطنه .. سمعوا هاتفا يقول:
أنتم ضجرتم منه، نحن نقبله، وفي رواية أخرى: لما أحس بالطعام .. فتح عينيه وقال:
ضجرتم مني.
وتوفي رحمه الله ليلة الأحد آخر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وست مائة.
وكان رحمه الله شديد التواضع، كثير الخمول، باذل نفسه، حتى إنه يحمل السمك في كفه من السوق إلى أهله.
وكان يستغل من نخله نحو عشرة آلاف قهاول، وينفقه كله في سبيل الله، ولا يدخر منه شيئا، وكان يجلس ضيفه على زير التمر يأكل منه حاجته، يفعل ذلك؛ لالتماس البركة من أيدي المسلمين، ولما ورد: «أن الله يستحيي أن يحاسب على سؤر الضيف» قيل: ولو كان حراما.
وكان رحمه الله إذا ورد عليه الحال .. ينشد هذه الأبيات: [من الطويل]
ودادك بحر والقلوب شفاشف ... وشوقك موج والبحار عواصف
وأنت دليل القلب في لجج الهوى ... ومنقذه إن قابلته المتالف
فكن لي يا مولاي عزا وناصرا ... لعبد ذليل في هواك موالف