قال: وحكى والدي عن الفقيه أبي بكر السرددي قال: كنت بلحج أعلّم لبعض أعيانها، فجرى ذكر أبي نواس وأبياته الكافيّة التي يقول فيها:[من الرمل]
أنعمي بالوصل يا سيدتي ... وانحلينا عسلا من عككك
ما على أهلك بل ما ضرهم ... لو مشينا ساعة في سككك
ليتني جارك بل يا ليتني ... تكة منقوشة من تككك
قال: فحاول جماعة ممن يتعانى الأدب التذييل عليها بأبيات على لفظها، فلم يقدروا، فقلت في ذلك أبياتا، منها:
ليتني يا دار سلمى ليتني ... دكة مفروشة من دككك
ثم ساقني المقدور إلى عدن، وعرضت لي حاجة إلى الجزري، فكتبت إليه في حاجتي، فلما وقف على رقعتي .. استدعاني ورحب بي وأكرمني، واستنشدني الأبيات، فرويتها له، وعمل غالب أهل عدن كل منهم أرجوحة، وهي المدروهة، وتسمى في عرف الناس اليوم: المدراهة، وهو ما يعتاد أهل اليمن عمله لمن حج أول حجة، وعند نصبها- إذا كانت لرجل ذي رئاسة-يقوم الشعراء بأشعارهم يمدحون بها من عملها ومن عملت له، وكان الجزري قد عمل واحدة باسم السلطان، فأشار إليّ أن أعمل شيئا من الشعر في ذلك المعنى، ففعلت، فلما اجتمع الناس عند ذلك، وأراد الشعراء إنشاد ما نظموا .. أمرني بإنشاد ما قد عملت، فقمت بقصيدة في السلطان، فرمى علي بكسوة جيدة، فتشبه به جماعة من التجار، ثم رمى لي بدنانير من الذهب، ففعل الحاضرون مثله، فاجتمع لي من الذهب والفضة والكسوة شيء كثير، وكله ببركات الجزري.
ولما رجع المظفر من الحج .. أقام بتعز مدة، ثم نزل إلى عدن، فاشتكى أهل عدن إليه من الجزري، فأمر القاضي البهاء أن يحاقق بينه وبينهم، فقالوا: لا نفعل ذلك حتى يكون بأيدينا ذمة من السلطان أنه لا يعود الجزري متصرفا علينا، ففعل لهم المظفر ذلك، وحاقق بينه وبينهم القاضي البهاء في الجامع، وحققوا عليه جملة مستكثرة، وهموا أن يبطشوا به لولا أن جماعة من غلمان الدولة حموه من ذلك، فصودر، ثم ضرب ثلاث ضربات، فسلّم ثلاثين ألف دينار، ثم ضرب بعد ذلك وعصر، فلم يقدر على شيء، فآل به الحال أن صار جواريه وبناته يدرن في بيوت الناس من أصحابه وغيرهم، واشتد به الضرر، فلما تحقق