وأعطاه كتبه في آخر الأمر، واستخلفه على تدريس أصحابه، فتفقه به جمع كثير، وصاروا أئمة فضلاء، كالإمام علي بن إبراهيم البجلي، والإمام أحمد بن علي بن هلال وغيرهم.
حكي أن الفقيه أحمد بن إبراهيم المصبري ناظر فقهاء زبيد، فلم يجد عندهم مقنعا، فتمثل بقول الأول:[من مجزوء الرجز]
لما دخلت اليمنا ... رأيت وجهي حسنا
أفّ لها من بلدة ... أفقه من فيها أنا (١)
ثم قصد أبيات حسين، وكلما مر بفقيه .. قصده وناظره، فقصد مدرسة الفقيه علي بن مسعود لمناظرته، فكان أول من لقيه عمرو هذا، فظن أنه الفقيه علي بن مسعود، ففاتحه السؤال، فلم يزل الفقيه عمرو يجيبه ويستزيده حتى نضب ما عنده، ثم ألقى عليه الفقيه عمرو سؤالات أجاب عن بعضها وتوقف عن البعض، فقال له الفقيه عمرو: كيف رأيت وجهك الآن؟ ! -إشارة إلى البيت الذي كان يتمثل به-فقال: يا سيدي؛ المعذرة إلى الله ثم إليك يا أبا الحسن، فعلم الفقيه عمرو أنه لم يعرفه، وأنه ظن أنه الفقيه علي بن مسعود، فقال له: عند ذلك: لست الفقيه علي، بل أنا بعض تلاميذه، ها هو ذاك في محراب المسجد، فاقدم عليه، فقدم عليه، ولم يزد على السلام، وطلب الدعاء وقال في نفسه:
إذا كان هذا درسيّ من درسته .. فكيف حال المدرس؟ !
قال الجندي: (وحصل بين الفقيه عمرو وبين الشيخ أبي الغيث بن جميل ألفة، يقال:
ترك الشيخ السماع في آخر عمره بإشارة الفقيه عمرو، فلما علم الشيخ علي الشّنيني صاحب القرشية أن الشيخ أبا الغيث ترك السماع بإشارة الفقيه .. قصد أبيات حسين، فوجد الفقيه والشيخ مجتمعين، فقال للفقيه عمرو: كيف تنكر يا فقيه أحوال الفقراء؟ ! فقال الفقيه: إنما أنكر على من أنكر الله ورسوله عليه، فقال الشيخ علي الشّنيني: إن كان ما نقول حقا .. فما تقول هذه السارية؟ فاضطربت السارية، فقال الفقيه عمرو: لقد علمت أن ستر أحوال الصالحين عليهم أحرى بهم، ثم ضرب الجدار، وإذا به قد اضطرب، وكادت الخشبة تقع في الأرض، فبادر الشيخان إلى الإنصاف والاستغفار.
ولم يزل الفقيه عمرو على الحال المرضي من التدريس والفتوى ونشر العلم إلى أن توفي
(١) البيتان لأبي نخلة، انظر «تاريخ دمشق» (٧/ ٣٠٣)، مع اختلاف فيهما.