حالهم، فأمر المؤيد بإجرائهم على المسامحة المظفرية دون الأشرفية، فشق ذلك على أهله؛ لأن المسامحة الأشرفية أكثر من المظفرية بكثير، فرأى أحدهم الفقيه في النوم، وقال له: يا فلان؛ إذا لم يكتب لكم السلطان على المسامحة الأشرفية .. هاتها إليّ، أنا أكتب لكم عليها، فلما أصبح الصباح وأشرقت الشمس .. نودي من باب السلطان: أين ورثة الفقيه الأصبحي يأتون بمسامحتهم؟ فأتوا بها، فأمر المؤيد بإجرائها مسرعا.
ومن غريب ما اتفق له أنه خرج إلى أرض له وفيها بتول له يحرث، فسأل البتول هل عنده ماء؟ فأشار إليه البتول إلى موضع، فقصده الفقيه، فوجد عنده حنشا، فقتله، وإذ به يجد نفسه في أرض لا يعرفها بين قوم لا يعرفهم، لهم خلق غريب، بعضهم يقول: قتلت ابني، وبعضهم: قتلت أخي، وبعضهم: قتلت أبي، ففزع منهم فزعا شديدا، قال: وإذا برجل منهم يقول لي: قل: أنا بالله وبالشرع، قال: فقلت ذلك، فدافع عني جماعة وقالوا:
امضوا به إلى الشرع، فمضيت أنا وهم حتى أتيت دارا كبيرة، فخرج منها شخص كهيئة الرخم الأبيض، فقعد على شيء مرتفع، قال: فادعى عليّ بعض الخصوم، فدنا مني صاحبي الأول وقال: قل: ما قتلت إلا حنشا، فقلت ذلك، فقال القاضي: سمعت بأذني رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من تشبه بشيء من الهوام .. فلا قود على قاتله ولا دية، فسقط في أيدي القوم، وإذ بي قد صرت في موضعي، وكان البتول قد رأى الفقيه حين وصل إلى موضع الماء، ثم غاب عن بصره ساعة جيدة، ثم ظهر، قال البتول: وقال الفقيه حين وصل: يا فلان؛ جرى لبعض رعية الأجناد ما هو كذا وكذا، وأخبر بالقصة، قال: فعرفت أنه هو الذي جرى له ما جرى، فقلت له: سألتك بالله، هل هو أنت؟ فسكت وغالط بحديث آخر، فلما بلغ المظفر ذلك .. سأل عن حاله، فقيل: هو فقير، فقال:
الحمد لله الذي جعل مثل هذا في بلادنا وزماننا، رجل عالم زاهد متورع.
وأخذ عنه جمع كثير، وتفقه به جماعة، منهم عيسى بن أبي بكر، وسعيد العودوي، وعمر الحبيشي، ومحمد بن جبير، وإسماعيل بن محمد الخلي، وأبو بكر بن المقرئ وغيرهم.
وتوفي في رابع عشر المحرم سنة ثلاث وسبع مائة، وقبر إلى جنب قبر أبيه قبلي الذنبتين، وحضر دفنه جم غفير يزيدون على ثلاثة آلاف شخص غالبهم من أعيان الفقهاء ووجوه الناس، رحمه الله ونفع به، آمين آمين.