كان إماما عالما عاملا، جوادا كريما، شديد الورع، باذلا نفسه لطلبة العلم، مسموع الكلمة، مطاعا في بلده وناحيته.
وبه تفقه جمع كثير من أهل تلك الناحية.
وكانت بلاده مطيفة ببلاد الزيدية، ولم يقل بقولهم، ولا اقتدى بفعلهم، فسار إليه إمام الزيدية محمد بن علي بن محمد الهدوي الملقب (صلاح) في جمع كثير من الزيدية وغيرهم، فلما صار قريبا من موضع الفقيه .. أرسل طائفة من العسكر، فقصدوا الفقيه إلى منزله، فقتلوه، وقتلوا جماعة من أصحابه ظلما وعدوانا، ونهبوا بيته وناحيته نهبا شديدا، وكان في بيته أموال جليلة مودعة للناس، وذلك حادي عشر رجب سنة ثلاث وتسعين وسبع مائة.
ولم تطل مدة الإمام صلاح، بل عوقب عقوبة شديدة، وكذلك الذين باشروا قتل الفقيه بأيديهم، وعمل بعض الفقهاء الشاوريين قصيدة يرثيه فيها، أولها:[من الوافر]
ألا شلت يمينك يا صلاح ... وعجل يومك القدر المتاح
وسمعت شيخنا القاضي شهاب الدين أحمد المزجد يذكر أن للفقيه شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقرئ في ذلك قصيدة أولها:[من الوافر]
أراني الله رأسك يا صلاح ... تداوله الأسنة والرماح
ويحكى عن الإمام المذكور أنه قال: لما وصلت أنا والعسكر إلى بلد الفقيه أحمد بن زيد .. أمرت العسكر ألا تغير على أحد بنهب ولا غيره، إلا أنكم إذا دخلتم على الفقيه ابن زيد .. فاحملوا ما عنده من الكتب، فلما دخلوا عليه .. حملوا كتبه، وجاءوني بها، فوجدت معظمها في الأصول والاعتقادات، فأمرت بقتله ونهب بلده، فلما قتل وسرنا راجعين .. فتوسطت البغلة في واد بين جبلين، وأسرعت في مشيها، فظن الغلمان أني حثثتها لحاجة الإنسان، فتأخروا عني، فلما انفردت .. قابلني الفقيه أحمد بن زيد وقرب مني في الجانب الأيسر، فرأيته يمد إصبعه السبابة كأنها خنجر، فطعن بها البغلة في خاصرتها، فنفرت بي نفرة شديدة ألقتني عن ظهرها، وكانت رجلي في الركاب، فسحبتني نحو ميل، فما أنقذت منها إلا وقد صرت شا أهلك (١)، فو الله ما بي إلا هو قتلته فقتلني.
(١) شا: في كلام أهل اليمن بمعنى «سين التسويف» أو «سوف».