للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكبر جاهه، وبعد صيته، وصحب كثيرا من الأخيار أرباب القلوب والمشاهدات.

ولم يزل على هذا حتى احتاج الديوان بأبين إلى العجور ليطعموه خيلهم ومواشيهم، فلم يجدوا ذلك عند غيره؛ إذ كان له كثير من الأراضي بأبين مما اكتسبه آباؤه المنتقلون نجعة من عمقين-واد بين جردان وحبان-بسبب قتل وقع بينهم وبين بني عمهم، فطلب منه الديوان شيئا من العجور، فامتنع عليهم وقال: أخشى أن تجري علي بذلك العادة، فيتحرم مالي بهذه الأراضي من الجلالة، فأخذوا منه العجور قهرا، فخرج من أبين إلى أحور، فاتبعوه إلى أحور، وعاهدوه أنهم لا يعودون لمثل صنيعهم هذا، وسألوه أن يرضى عنهم ويعفو عما كان منهم إليه، فرجع، وأقام بها مبجلا معظما.

ثم بعد عدة سنين كان منهم إليه أخيرا كما كان أولا، فخرج من أبين قائلا: أبين طالق ثلاثا، لا أعود إليها، فأتبعوه وأرادوا رجوعه، فامتنع، ثم خرج من أحور إلى واد بين أحور وحبان يقال له: الخبر-بفتح الخاء المعجمة، ثم موحدة ساكنة، وآخره راء مهملة- وبه قرية بها سلطان يعرف بالسلطان باحمل-بالحاء المهملة المفتوحة، وفتح الميم-كان يجمع من الجنود عددا كثيرا، وسلاطين جهته طوع حكمه، لا يخرجون عن رأيه، فتلقاه بالقبول والإعظام، والإجلال والإكرام، وزوجه بابنته، فولدت منه بولده فخر الدين الفقيه أبو بكر بن محمد الآتي ذكره، ثم تزوج بعدها بالخبر المذكور بنت رئيس قوم حلفاء للسلطان باحمل المذكور، فولدت منه بالفقيه الإمام نور الدين علي بن محمد، ثم نقله بنو عبد الواحد بعد موت السلطان المذكور إلى المصنعة، مدينة وادي حبان، وتبوأ بها بيتا بقرب الجامع تحت الحصن، فكان معززا مبجلا، معظما مغتبطا به، فنشأ له بالمصنعة المذكورة من الزوجة الثانية أم الفقيه علي: الفقيه الإمام المتفنن المتقن المحقق المدقق شرف الدين إسماعيل بن محمد، ثم الفقيه الإمام الورع الزاهد العابد الناسك كمال الدين إسرائيل بن محمد، ثم الفقيه إبراهيم بن محمد، وكلهم أئمة أخيار صالحون، فنشئوا في حجر أبيهم نفع الله بهم آمين إلى أن ترعرعوا، وراهق منهم أو بلغ الفقيه أبو بكر والفقيه علي، فسافرا لطلب العلم الشريف إلى اليمن في حياة والدهما، فأما أبو بكر .. فلم يبلغني كيفية طلبه، وبالجملة: فهو فقيه ورع زاهد، وأما الفقيه علي .. فعلى ما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى.

وكان للفقيه محمد بن عمر المذكور من المجاهدات والعبادات والأوراد ما يجل عن الحصر، فمما يروى عنه: أنه كان يقرأ (قل هو الله أحد) في كل يوم أربعين ألفا غير الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>