لما خالف على الناصر أخوه حسين، وتسلطن بزبيد، ولقب بالظافر .. نزل الناصر من تعز، ودخل زبيد قهرا، وقبض على أخيه حسين المذكور ومن معه، وقيده وأودعه دار الأدب بحصن تعز، ثم بلغه أن أخاه حسينا المذكور أحدث خلافا آخر بتعز، فبادر الناصر إلى تعز، وحصر أخاه في الحصن عدة أيام، وأخذه قهرا، وقبض على أخيه، وأرسله إلى حصن ثعبات مرسّما عليه، وأمر أخاه شقيقه الملك الظاهر صاحب الترجمة أن يسير إليه في جماعة ويسمل عينيه، ففعل ذلك الظاهر، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وثمان مائة، ثم ندم الناصر على ما صدر منه، ولام أخاه الظاهر على المبادرة، وخشي من بداره، فاعتقله بحصن الدملوة، ويقال: بحصن ثعبات، فلم يزل الظاهر معتقلا بقية أيام الناصر وأيام ولديه المنصور عبد الله والأشرف إسماعيل، فلما قبض الأشرف في سنة إحدى وثلاثين وثمان مائة كما ذكرناه في ترجمته في العشرين قبل هذه (١) .. أجمعوا على إقامة عمه الملك الظاهر المذكور، فأخرج من السجن صبيحة الجمعة عاشر جمادى الأخرى من السنة المذكورة، وبايعوه، فركب من فوره إلى دار العدل بتعز، وأرسل بابن أخيه الأشرف تحت الحفظ إلى حصن الدملوة، فسجن هنالك حتى توفي، وأرسل المقرئ شرف الدين من زبيد إلى الظاهر بقصيدة طويلة يهنّئه فيها بالملك يقول في أولها:[من الطويل]
ولما أراد الله أن الهدى يحيى ... ثنى الملك عن هذا وقلده يحيى
ولم يثن عنه الملك إلا وقد أتى ... بأمر عظيم لا تداوى به الأدوا
ومنها:
وليس لإسماعيل ذنب لأنه ... على يده أيد أوامرها أقوى
وما كان إلا صورة يحملونها ... على كل ما يهوون لا بعض ما يهوى
وهي طويلة، فلما وقف عليها الظاهر .. أعجبته، فاستدعى المقرئ إلى تعز، وأنشده القصيدة بحضرته، فأجازه عليها عشرة آلاف دينار، ثم لما وصل المقرئ إلى تعز .. مدحه بقصيدة أخرى ميمية عدد أبياتها أحد وأربعون بيتا، فأعجبت السلطان، وأجازه بكل بيت منها ألف دينار، وأحال له بذلك على الجهات الشامية واليمنية وبثغر عدن، وأكد على
(١) في هامش (ت): (اعلم أنه تتقدم له ترجمة في العشرين قبل هذه، ووجدت في هامش الأم ما مثاله: اعلم أنا لم نظفر من هذه العشرين وقت تبييض هذا التاريخ إلا بشيء يسير، فهي مفقودة، ولعل الله يمن بوجودها فتلحق. انتهى).