للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانقطع رجاء صاحب الشحر من البلد، فأصبح يوم الاثنين متوجها نحو بلده هاربا، فانفتح المركب الذي هو فيه، ونبذه إلى ساحل المكسر، فخرج الظافر بعساكره من باب البر، وخرج معه نقباء يافع آل أحمد، فأسر أبو دجانة وابن أخيه، وبادر نقباء يافع آل أحمد إلى قتل مبارك الثابتي، وهو الذي كان سببا في تجهيز أبي دجانة، وبادروا أيضا إلى قتل ابن عمه حسب أن خرجا من البحر؛ خشية أن يؤسرا، فيكيداهم بالصحيح والسقيم، ولام الملك الظافر نقباء يافع على قتل الثابتي، وكان غرضه أسره، وأسر جماعة من عسكر أبي دجانة من يافع وغيرهم، وأركب أبو دجانة على جمل ليراه الناس، وأدخل به وبالأسرى إلى عدن، وكان يوما مشهودا.

ويحكى أنه قيل للشيخ عامر بن طاهر وأبو دجانة في الميدان والخيل تلعب فيه: إنه محسوب لأبي دجانة أن يشرف من دار السعادة، فأمر باطلاعه إليه مقيدا، وأمر بأن يشرف من الروشن على الذين يلعبون في الميدان.

ولم يزل أبو دجانة محبوسا مقيدا إلى أن وصلت والدته بنت معاشر من الشحر، وكانت امرأة كاملة، ذات حزم وعزم، يقال: إنها نهته عن التجهيز إلى عدن، وعذلته عن ذلك، فلم يصغ إلى كلامها ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وهي التي ضبطت الشحر في غيبة ولدها، فلما وصلت إلى عدن .. سعت في فكاك ابنها، ويسلم لهم الشحر، فأطلق أبو دجانة من القيد والحبس، وجعل هو ووالدته في بيت تحت الحفظ إلى أن قبض نائبهم الشحر ..

فأطلقوه هو ووالدته، فسارا إلى بلدهم حيريج، وتوفي أبو دجانة عقب وصوله إلى بلده.

ويقال: إنه لم يخرج من عدن إلا مسموما، والله أعلم بحقيقة الأمر.

ولما وصل أبو دجانة إلى فوق البندر .. خاف أهل البلد من دخوله ونهبه للبلد؛ لأن غالب عسكره أوباش مجمّع، فرأى بعضهم في النوم كأن باب الساحل مفتوحا، وأن الشيخ محمد برسة الجبرتي مادا ذراعيه بين البابين، وطالت ذراعه حتى بلغت من الباب إلى الباب كالمانع للناس من الدخول، فأصبح يخبر الناس بذلك، ويبشرهم بالأمان (١).

وفي ذي الحجة منها: استولى عباس الحبيشي على مخلافه، فنزل إليه المجاهد من بلده، واستقر بجبلة في الشهر المذكور (٢).


(١) «تاريخ شنبل» (١٨٨)، و «بغية المستفيد» (ص ١٢٦)، و «اللطائف السنية» (١٨٣)، و «تاريخ حضرموت» للكندي (١/ ١٤٧)، و «جواهر تاريخ الأحقاف» (٢/ ١٦٨)، و «تاريخ حضرموت» للحامد (٢/ ٥٨١).
(٢) «بغية المستفيد» (ص ١٢٦)، وتتمة القصة ستأتي في حوادث سنة (٨٦٢ هـ‍).

<<  <  ج: ص:  >  >>