أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاصي، قال الشقي ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا لعمرو، وتعاهدوا على ألاّ يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، وتواعدوا ليلة سبع عشرة في رمضان، وتوجه كل واحد إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يريد قتله، ويقال: إن ابن ملجم لما قدم الكوفة لهذا المقصد الرديء .. خطب امرأة من الخوارج كان علي رضي الله عنه قد قتل أباها وجماعة من أقاربها، فقالت: إنها حلفت لا تتزوج إلا على كذا وكذا بمهر معلوم سمته وقتل علي، فقال الشقي: إني لم آت الكوفة إلا لقتل علي، فقالت له: امض لما جئت له، فإن قتلته .. اجتمعنا وقد شفينا صدورنا، وإن قتلت .. فما عند الله خير وأبقى ونجتمع في دار الآخرة؛ أي: في نار جهنم، فلما خرج علي لصلاة الصبح .. ضربه ابن ملجم بسيف مسموم في جبهته فأوصله دماغه وذلك في ليلة الجمعة سابع عشر رمضان.
وتوفي علي رضي الله عنه ليلة الأحد تاسع عشر رمضان من سنة أربعين، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، يقال: إنه كان عنده فضل من حنوط رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوصى أن يحنط به.
وتوفي رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة على الأصح، وأما صاحبا الشقي ابن ملجم .. فإن البرك خرج إلى الشام فضرب معاوية عند ما خرج لصلاة الصبح في ليلة سبع عشرة من رمضان، فوقعت الضربة في عجزه فقطعت نسله وسلم، ولزم البرك، فلما أراد قتله .. قال: إني مبشرك بقتل علي هذه الليلة، قال له: وما يدريك؟ فذكر ما اتّعدوا عليه، فقال له معاوية: ولعله أخطأه مثل ما أخطأتني وأمر بقتله.
وخرج الآخر إلى مصر، فكمن لعمرو بن العاصي تلك الليلة ليقتله إذا خرج، فاتفق أن عمرا تخلف عن الخروج لصلاة الصبح لعذر، واستناب خارجة، فضرب الخارجي خارجة وقتله وهو يظنه عمرا، فلزموه وأوصلوه إلى عمرو بن العاصي، فسمعهم يخاطبونه بالأمير، فقال: أو ما قتلت الأمير؟ قالوا: لا، إنما قتلت خارجة، فقال: أردت عمرا وأراد الله خارجة: [من البسيط]
وليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... فدت عليا بمن شاءت من البشر
لكن قضاء الله ماض، لا راد لأحكامه، ولا ناقض لإبرامه، ولقد صدق القائل:[من الطويل]
وما كنت من أنداده يا بن ملجم ... ولولا قضاء ما أطقت له عينا