وقرأ على القاضي محمد بن مسعود باشكيل كثيرا من كتب الحديث والتفاسير وغيرها، وأجاز له إجازة عامة في جميع أنواع العلوم، وزوجه القاضي باشكيل بابنته، وقرأ على الفقيه البرجمي كتاب «المصابيح» وأجازه فيه وفي غيره، ودخل شبام حضرموت، فأجاز له عالمها الإمام الصالح با هرمز إجازة عامة.
وولي قضاء عدن مدة يسيرة، فباشره بعفة وجد واجتهاد، فأنصف الضعيف من القوي، وكان في خلقه حدة، فخرج من عدن مختفيا متنزها من القضاء، فقصد الشحر، فأكرمه واليها يومئذ بدر بن عبد الله الكثيري، وصحبه، وكان بينهما ألفة أكيدة، ومودة شديدة، ثم رجع إلى عدن وقد تولى قضاءها القاضي عبد الرحمن بن عبد العليم البريهي، ولم يزل يتردد بين الشحر وعدن، وأكثر إقامته بعدن.
وقرأ عليه جمع واستفادوا، وصاروا أئمة، منهم: شيخنا الإمام عبد الله بن عبد الرحمن بافضل، والفقيه عمر بن أحمد با كثير، والفقيه علي بن زيد الشرعبي، والفقيه عمران بن بشر الحبلى، والفقيه محمد بن علي العفيف وغيرهم.
وله نكت على «جامع المختصرات» للنشائي، يذكر فيه المواضع التي وقعت في الكتاب على غير الصواب، وله أيضا عليه تأليف لطيف، يذكر فيه المسائل التي ذكرها في الكتاب في غير مظنتها على نمط «خبايا الزوايا» للزركشي، وله نكت على «ألفية ابن مالك»، وشرح على «ملحة الحريري»، وفتاوى مجموعة رتبها على أبواب الفقه، وشرح «منظومة ابن ياسمين» في الجبر والمقابلة.
وصحب الشريف عمر بن عبد الرحمن باعلوي، والشيخ أحمد بن محمد العمودي صاحب قيدون صحبة أكيدة، فكان لهما حسن ظن وعقيدة قوية.
عزم مع الشريف عمر بن عبد الرحمن في سنة تسع وثمانين إلى تعز، ومرضا جميعا بتعز، فتوفي الشريف عمر بها في رمضان من السنة المذكورة، ونقه الوالد من مرضه قليلا، فعزم إلى بلده طريق البر على زهراء وردمان.
ولم يزل ذلك المرض مستمرا به، تارة يقوى عليه، وتارة يهون إلى أن توفي منه في سحر ليلة الاثنين لتسع بقيت من المحرم الحرام من سنة ثلاث وتسع مائة بعدن، ودفن بتربة الشيخ جوهر الجندي نفع الله به قبالة ضريح شيخه القاضي جمال الدين محمد بن مسعود باشكيل رحمه الله.