ويلبسه الخلع السلطانية، ففعل ذلك، فألبس هزاع الخلعة التي جيء بها لبركات، وألبس أخاه الجازاني الخلعة التي كان يلبسها قايتباي أخاه بركات، فتوجه هزاع مع الركب المصري إلى مكة ومعه الأشراف بنو إبراهيم في نحو مائة فارس، ومعه زبيد أخوال الجازاني، فلما علم بركات بذلك .. خرج في عسكره إلى وادي مرّ، والتقى الجمعان الشريفان بمن معهما، وكف الركب المصري نفسه وعسكره عن مساعدة أحدهما، فانكسر الشريف هزاع مرات، وقتل من أصحابه نحو الثلاثين، فعبث أصحاب بركات بالركب، ونهبوا أطرافه، فحمل الركب مع هزاع حملة رجل واحد، فهزم بركات، وقتل ولده أبو القاسم في جماعة من العسكر، واستولوا على محطة الشريف بركات بما فيها من الأموال والنساء، وانتهبت خزانته، فعزم الشريف بركات إلى جدّة، فنهبها.
ودخل هزاع مكة متوليا صحبة الركب المصري، واضطربت أحوال الناس، وكثر الخوف والنهب في الطرقات، ورجع حجاج البحر من الطريق وكان فيهم من قد أحرم فرجع قبل التحلل، وارتكبوا محظورات الإحرام جهلا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وكان الحج ضعيفا، ولم يحج الشريف بركات.
فلما انقضى الحج .. عرف هزاع أن لا طاقة له بمقاومة أخيه بركات، وتخوف منه الهجوم عليه بمكة، فتوجه صحبة الركب الشامي إلى ينبع، وتبعه الشريف بركات، فحماه الركب الشامي منه، فرجع بركات إلى مكة، واستقر بها، وأمنت الناس في الطرقات.
وفي جمادى الأولى: جمع الشريف هزاع جيشا غالبهم بنو إبراهيم أشراف ينبع، فقصد بهم مكة، فخرج إليه الشريف بركات في عسكره، فالتقيا بموضع يقال له: طرف البرقاء، فانكسر الشريف بركات كسرة شنيعة، وقتل أخوه أبو دعلج، ومن الأشراف بني نمي نحو سبعة أنفار، وانهزم بركات حتى بلغ إلى سبخة الغراب من ناحية اليمن، ووصل هزاع إلى ظاهر جدة، ونادى الأمان للناس، وقرر أحوالهم، وأرسل أخاه الجازاني إلى مكة ليقرر أحوال أهلها، ثم خشي غادرته، فتبعه إلى مكة في عساكره.
وكان العرب والأشراف الذين مع هزاع قد شرطوا عليه نهب مكة إن ظفروا بها ثلاثة أيام، ثم لما ظفر بها .. لم يسهل عليه نهبها، فصالحهم على النهب على مال جزيل نحو سبعة آلاف أشرفي، فرضوا بذلك، فأخذ ذلك من تجار مكة بطيبة خواطرهم ليسلموا من النهب، ودفعها إلى من معه.