بعده بحيث كان أوامره في الحجاز أنفذ من أوامرهما، رغبة منهما في ذلك واختيارا، لا كراهة وإجبارا.
فلما وقعت الفتنة بين الشريف بركات وأخيه هزاع بوادي مرّ، وانكسر فيها الشريف بركات، ونهب مخيّمه وحرمه .. أمده القاضي أبو السعود بالمال والأثاث والخدم، ويقال: إنه الذي أشار عليه بنهب جدّة ليتقرر عند المصريين عجز غير بركات.
وكان القاضي أبو السعود إذ ذاك مرتابا من الشريف هزاع كثيرا، يرى أن هزاعا لو تمكن منه .. لأتلفه؛ لما كان يرى منه من الميل إلى بركات في حياة أبيه وبعد وفاته، فلما انكسر الشريف المرة الثانية، ونهب مخيمه .. تخيل للقاضي أبي السعود أن الشريف بركات قد انقضت أيامه، وأدبرت سعادته، فالتجأ القاضي إلى الشريف جازاني بن محمد بن بركات، فخفره من هزاع وحماه منه.
فلما أمن جانبه من هزاع .. أرسل الشريف بركات إلى القاضي يريد منه المساعدة كالمرة الأولى، فاعتذر إليه القاضي، فوقع في نفس الشريف منه، ووجد أعداء القاضي مدخلا عليه عند الشريف، فأوغروا صدر الشريف عليه بالحق والباطل.
فلما توفي هزاع .. شمر القاضي أبو السعود همته في تولية الجازاني على مكة وأعمالها، وكتب بذلك إلى المصريين، ورجح لهم أنه أصلح للحجاز من بركات، وأن بركات ما هو إلا راعي معزى، فتم للقاضي ما أراد، ووصلت المراسيم والخلع من مصر للجازاني.
فجمع الشريف بركات جندا عظيما من اليمن والشرق وغير ذلك، وقصد أخاه الجازاني بمكة، وعلم الجازاني أنه لا طاقة له به .. فخرج من مكة إلى ينبع، ودخل الشريف بركات بعساكره، وكان يجامل القاضي في الظاهر كثيرا ويحترمه، ويراعيه ويستشيره، وكان محتذرا من هجوم الجازاني وبني إبراهيم عليه، فلم يزل محتفظا بالعسكر بمكة، فيقال: إن القاضي أشار عليه بأنك قد أمنت من خصمك، ولا حاجة إلى جمع الجند، فقد تأذى أهل مكة من انبساطهم وفسادهم، وهذا شهر رمضان مقبل لا يحتمل ذلك، والمصلحة أنك تفسح لكل ينصرف إلى أهله وبلده، فأصغى الشريف بركات إلى مشورته، وفرق الجند، ولم يبق معه إلا خاصته ومن يلوذ به، فيقال: إن القاضي كتب إلى الجازاني أن بركات قد فرق جنده ولم يبق أحد عنده، فلا يكون أسرع من وصولك إلى مكة على غرة وغفلة لتقبض عليه، وأرسل مكتّبا بالورقة، فشاع بمكة أن القاضي أرسل قاصدا إلى ينبع، فأرصد