وقتل من أصحاب معاوية رضي الله عنه خمسة وأربعون ألفا، منهم: حابس الطائي قاضي حمص، وذو الكلاع الحميري، وكريب بن الصباح الحميري.
وكان الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت على ثلاثة أقسام:
منهم من اتضح له أن الحق مع علي فتبعه.
ومنهم من رأى الحق مع معاوية في طلبه بدم عثمان فتبعه.
ومنهم من لم يتضح له الحق في أي جانب، فتوقف منهم: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة في آخرين رضي الله عنهم.
ولما قتل عمار بن ياسر في أصحاب علي .. رجع جماعة من أصحاب المتوقفين وممن كان مع معاوية رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم لعمار:
«تقتلك الفئة الباغية»(١).
فلما ظهر أصحاب علي على أهل الشام وكادوا يهزمونهم .. عدل أهل الشام عن المقاتلة إلى المماحلة بإشارة عمرو بن العاصي، فرفعوا المصاحف وطلبوا الحكم بما في كتاب الله عزّ وجل، فكف أهل العراق أيديهم عن القتال، فحثهم علي رضي الله عنه على القتال وقال: إنما هذه حيلة ومكر منهم لما رأوا أنهم مغلوبون، فقالوا: لا نقاتلهم وهم يدعون إلى الحكم بكتاب الله، فأجاب علي رضي الله عنه إلى ذلك مغلوبا، فحكّم معاوية عمرو بن العاصي، وحكّم علي رضي الله عنه أبا موسى الأشعري، فاجتمعا بدومة الجندل في شهر رمضان ومع كل واحد منهما جماعة من وجوه أصحابه، فخلا عمرو بأبي موسى وقال:
أرى أن نخلع عليا ومعاوية ونختار للمسلمين رجلا يجتمعون عليه، فوافقه أبو موسى على ذلك، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم أنت قبل؛ فإنك أفضل وأكثر سابقة، فصعد أبو موسى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر المسلمين؛ اشهدوا أني خلعت عليا من الخلافة كما خلعت خاتمي هذا، وخلع خاتمه من إصبعه، ورمى به ثم نزل، وصعد عمرو وقد أخرج خاتمه وقال: اشهدوا أني أدخلت معاوية في الخلافة كما أدخلت خاتمي هذا في إصبعي، وأدخل خاتمه في إصبعه، ثم سار الشاميون وقد بنوا على هذا
(١) تقدم تخريجه في ترجمة (عمار بن ياسر رضي الله عنه) (١/ ٣٠٩).