للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس فرحبوا به وأكرموه، وقالوا: ما جاء بك يا بن عباس؟

قال: جئتكم من عند صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عمه، وأعلمنا بربه وسنة نبيه، ومن عند المهاجرين والأنصار.

فقالوا: يا بن عباس؛ أتينا ذنبا عظيما حين حكمنا الرجال في دين الله، فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدونا .. رجعنا إليه.

فقال لهم ابن عباس: أنشدكم الله إلا ما صدقتم، أما علمتم أن الله أمر بتحكيم الرجال في أرنب يساوي ربع درهم يصاد في الحرم فقال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَاا عَدْلٍ مِنْكُمْ، } وكذا في شقاق رجل وامرأته بقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها؟ }

فقالوا: اللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين قريش في الحديبية؟

فقالوا: اللهم نعم، ولكن عليا محا نفسه من الخلافة بالتحكيم.

قال ابن عباس: ليس ذلك يزيلها عنه؛ فقد محا صلّى الله عليه وسلم النبوة من صحيفة الحديبية، فلم يزل ذلك عنه النبوة حيث قال لعلي: «اكتب بيننا: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» صلّى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لو نعلم أنك رسول الله .. لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال لعلي رضي الله عنه: «امحها»، فقال: والله؛ لا أمحوها، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أرني مكانها» فأراه، فمحاها وكتب: محمد بن عبد الله (١).

فلما سمع ذلك الخوارج منه .. رجع منهم ألفان وبقي أربعة آلاف-أو ستة آلاف-بايعوا عبد الله بن وهب الراسبي، فخرج بهم إلى النهروان، فقتلوا عبد الله بن خباب عامل علي رضي الله عنه على المدائن، وبقروا بطن جاريته، وقتلوا ثلاث نسوة، وقتلوا الحارث بن مرة رسول علي.

فلما رأى علي رضي الله عنه استحلالهم الدماء والأموال .. تبعهم، فكانت وقعة


(١) أخرج قصة الحديبية البخاري (٤٢٥١)، ومسلم (١٧٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>