للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، فلما عزم على هدمها .. خرج الناس من مكة إلى الطائف وإلى منى، وتلكأ المعمار من هدمها تهيبا، فهدمها ابن الزبير بنفسه، وشرع في هدمها عبد حبشي دقيق الساقين؛ تفاؤلا بأن يكون ذلك هو ما حدّث من أن يهدمها ذو السويقتين من الحبشة (١)، ولم يرجع من خرج من مكة حتى شرع في بنائها، وبعضهم حتى أكملها، وأراد أن يبنيها بالورس، فقيل له: لا يستمسك البناء به كالجص، فبعث من يأتي بالجص من صنعاء، ولما فرغ من بنائها: قال: من لي عليه طاعة فليخرج ويعتمر شكرا لله تعالى، فخرج في السابع والعشرين من رجب ماشيا، وخرج الناس معه، فلم ير يوم أكثر ماشيا ونحرا وذبحا وصدقة من ذلك اليوم، ومن ثم صار كثير من الناس يعتمرون في سابع وعشرين من رجب.

ولما قوي أمر عبد الملك بقتله مصعب بن الزبير، واستيلائه على العراق والشام ومصر .. أرسل الحجاج لقتال ابن الزبير، فحاصره الحجاج في أول القعدة من سنة اثنتين وسبعين، وحج تلك السنة بالناس، ورمي بالمنجنيق من مكة، فكان حجر المنجنيق يصيب ثوب ابن الزبير وهو ساجد فلا يرفع رأسه، فلما طال الحصار على أصحابه .. انصرفوا عنه، وأرسل إليه الحجاج: أن سلم نفسك لعبد الملك بن مروان يرى فيك رأيه ولك الأمان، فاستشار والدته في ذلك، فقالت: يا ولدي؛ إن كنت قاتلت لغير الله .. فقد هلكت، وإن كنت قاتلت لله .. فلا تسلم نفسك لبني أمية يلعبون بك، ولئن قتلت .. إنك لكريم، فقال:

إنه لم يبق معي معين على القتال، فقالت: فلعمري؛ إنك معذور، ولكن شأن الكرام أن يموتوا على ما عاشوا عليه، فخرج من عندها، وحمل على جيش الحجاج بأعلى مكة وهو يقول: لو كان قرني واحد .. لكفيته، فلم يزل يقاتل ويقتل فيهم حتى أصابته في رأسه رمية داخ منها فوقع، فصاحت مولاة لآل الزبير: وا أميراه، فعرفوه ولم يكونوا عرفوه قبل ذلك لما عليه من لباس الحرب، فقصدوه من كل مكان وقتلوه-قتلهم الله-في سابع جمادى الأولى من سنة ثلاث وسبعين.

قلت: وفي «الرياض المستطابة» للعامري: (وعمره ثلاث وسبعون سنة، وكان مدة الحصر سنة أشهر وسبع عشرة ليلة) اهـ‍ (٢) والله أعلم.


(١) أخرج البخاري (١٥٩١)، ومسلم (٢٩٠٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة».
(٢) «الرياض المستطابة» (ص ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>