يقال: صعد الوليد بن عبد الملك المنبر، فسمع صوت ناقوس في بيعة، فأمر بهدم البيعة، فكتب إليه الأحزم ملك الروم: إن هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك، فإن يكونوا أصابوا .. فقد أخطأت، وإن تكن أصبت .. فقد أخطئوا، فقال: من يجيبه؟ فقال الفرزدق: أنا، فكتب إليه:{وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ}.
وسئل بعض أهل العلم عن السبايا المزوجات من الكفار: هل يحل للسابي وطؤها؟ فأبطأ في الجواب، فقال الفرزدق:[من الطويل]
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالا لمن يبني بها لم تطلّق
ويقال: إنه اجتمع هو والحسن البصري، فقال للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ قال: ما يقولون؟ قال: يقولون: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: كلا، لست بخيرهم، ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لمثل هذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة.
ويقال: إن الفرزدق لقي علي بن أبي طالب.
وتنسب إلى الفرزدق مكرمة يرجى له الرحمة بها، وذلك: أن هشام بن عبد الملك حج في أيام أبيه، فجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام؛ إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين، فلما انتهى إلى الحجر .. تنحى له الناس فاستلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس يا بن أمير المؤمنين؟ فقال هشام: لا أعرفه؛ مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق-وكان حاضرا-: أنا أعرفه، فقال الشامي:
من هو يا أبا فراس؟ فقال:[من البسيط]
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
.. الأبيات المشهورة، وهي نحو خمسة وعشرين بيتا، فغضب هشام وحبس الفرزدق، فبعث إليه زين العابدين اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال زين العابدين: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا .. لا نستعيده، فقبلها الفرزدق.