ومر ذو الرمة في بعض أسفاره في بعض البوادي على امرأة من بني عامر بن صعصعة وهي خارجة من خبائها، فنظر إليها فوقعت في قلبه، فخرق إداوته ودنى منها يستطعم كلامها، فقال: إني رجل على ظهر سفر وقد تخرقت إداوتي فأصلحيها، فقالت: إني والله لخرقاء لا أحسن العمل، وقالت: وإن كنت خرقاء فإني صناع، هات الإداوة فأعطاها فأصلحتها له.
والخرقاء: هي التي لا تعمل شغلا لكرامتها على أهلها، فشبب بها ذو الرمة أيضا، وسماها خرقاء، ومن قوله فيها: [من الطويل]
وما شنّتا خرقاء واهيتا الكلى ... سقى بهما ساق ولم تتبللا
بأضيع من عينيك للدمع كلما ... تذكرت ربعا أو توهمت منزلا
ومن قوله فيها: [من الوافر]
تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء كاشفة اللثام
ومن قوله يمدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري مخاطبا ناقته: [من الطويل]
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر
أخذ هذا المعنى من قول الشماخ في عرابة الأوسي يخاطب ناقته أيضا: [من الوافر]
إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين
وجاء بعدهما أبو نواس فأوضح هذا المعنى بقوله في الأمين محمد بن هارون الرشيد: [من الكامل]
وإذا المطي بنا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال حرام
قرّبننا من خير من وطئ الحصى ... فلها علينا حرمة وذمام
فأحسن أبو نواس في هذا المعنى؛ لأنهما أوعدا ناقتيهما بالذبح؛ لاستغنائهما عنهما بإيصالهما إلى مطلوبهما، ووعدها أبو نواس بتحريم الركوب على ظهرها وإراحتها من الكد والأسفار؛ لتبليغها له إلى من استغنى به عن الأسفار.
توفي ذو الرمة سنة سبع عشرة ومائة.