لك أن توليني وأنا كاذب، وإن كنت صادقا .. فينبغي لك أن تقبل قولي، فقال إياس: إنك جئت برجل وأوقفته على شفير جهنم فنحى نفسه عنها بيمين كاذبة يستغفر الله منها وينجو مما يخاف، فقال عدي بن أرطأة: أما إذ فهمتها فأنت لها، فولاه قضاء البصرة، وكان أحد العقلاء الفضلاء الدهاة.
يحكى: أنه قال: ما غلبني سوى رجل واحد شهد عندي أن البستان الفلاني-وذكر حدوده-ملك فلان، فقلت له: كم عدد شجره؟ فسكت، ثم قال لي: منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس؟ فقلت: منذ كذا وكذا سنة، فقال: كم عدد خشب بيتك؟ فقلت: الحق معك، وأجزت شهادته.
ومن فطنته أنه سمع نباح كلب، فقال: هذا على رأس بئر، فاستقرءوا النباح فوجدوه كما قال، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت الصوت كأنه يخرج من بئر.
ومنها: أنه حدث ما يقتضي الخوف وهناك ثلاث نسوة لا يعرفهن، فقال: ينبغي أن تكون هذه حاملا، وهذه مرضعا، وهذه بكرا، فكشف عن ذلك، فكان كما تفرس، فقيل: من أين أخذت ذلك؟ فقال: رأيت الحامل وضعت يدها على بطنها، والمرضع وضعت يدها على ثديها، والبكر وضعت يدها على فرجها، وعند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على ما يعز عليه ويخاف عليه.
وسمع يهوديا يقول: ما أحمق المسلمين! يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون فقال له: أفكل ما تأكل تحدثه؟ فقال: لا؛ لأن الله تعالى يجعله غذاء، قال: فلا شك أن الله يجعل كل ما يأكله أهل الجنة غذاء.
ورأى برحبة واسط آجرة، فقال: تحت هذه الآجرة دابة، فرفعت فإذا تحتها حية منطوية، فقيل له في ذلك، فقال: رأيت ما بين الآجرتين نديّا من بين جميع تلك الرحبة، فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس.
وقال: رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين نجري معا، فلم يسبقني ولم أسبقه، وعاش أبي ستا وسبعين سنة وهأنا فيها، فلما كانت آخر لياليه .. قال: هذه الليلة أستكمل فيها عمر أبي، فنام فأصبح ميتا، وذلك في سنة اثنتين وعشرين ومائة.
قيل لوالده: كيف ابنك لك؟ قال: نعم الابن، كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي.