المغرب، ويسامره سميره حتى يذهب عامة الليل، وكان يسأل كل ليلة عشر حوائج فيقضيها إذا أصبح، وكان رزقه ست مائة ألف، وكان يقسم في كل شهر في أصحابه ووجوه الناس وأهل البيوتات.
واقع شيعة بني العباس فهزموه، وتحصن بواسط، فأرسل إليه السفاح أخاه أبا جعفر المنصور، فحاصره نحو أحد عشر شهرا، وبلغه أن أبا جعفر يقول: ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء، فأرسل إليه: أنت تقول كذا؟ ! ابرز لي لترى، فأرسل إليه أبو جعفر:
ما أجد لي ولك مثلا إلا كالأسد لقي خنزيرا، فقال الخنزير: بارزني، فقال الأسد:
ما كنت لي بكفء، إن بارزتك فنالني منك سوء .. كان علي عارا، وإن قتلتك .. فلا فخر في قتلك، فقال الخنزير: لئن لم تبارزني .. لأعرفنّ السباع أنك جبنت عني، فقال الأسد: احتمالي لذلك أيسر من تلطخ براثني بدمك.
ثم إن ابن هبيرة طلب الصلح فأجابه المنصور، فخرج إليه ابن هبيرة بالأمان، وقبض ما كان في بيت المال وهو ثلاثة آلاف ألف، وقبض ما كان في دار الرزق من الطعام وكان رزق عشرين ألف رجل، فكان ابن هبيرة إذا أتى إلى أبي جعفر .. أتاه في جمع كثير، فمنع من ذلك، فصار في نفر يسير، ثم في ثلاثة، وكان أبو مسلم الخولاني يحرض السفاح على قتل ابن هبيرة، ويقول: طريق السهل لا يصلح أن يكون فيها حجر، وكان السفاح يحث أبا جعفر على قتله.
وقال ابن هبيرة يوما لأبي جعفر: إن دولتكم بكر، فأذيقوا الناس حلاوتها، وجنبوهم مرارتها .. تحصل محبتكم في قلوبهم، ويعذب ذكركم على ألسنتهم، وما زلنا منتظرين لدعوتكم.
وكان بينه وبين أبي جعفر المنصور ستر فرفعه المنصور، وقال في نفسه: عجبا ممن يأمرني بقتل هذا، وبالغ السفاح في حث المنصور على قتله وهو يمتنع، فلم يزل به حتى قتله، وكان قد قاتل دونه ولده، فقتل مع الولد جماعة من أصحابه، ثم قتل يزيد ابن هبيرة وهو ساجد في سنة ثلاث-أو اثنتين-وثلاثين ومائة، ورثاه أبو عطاء السندي بقوله:[من الطويل]
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود